الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }

القراءة: قرأ حمزة يَلحَدون بفتح الياء والحاء حيث كان ووافقه الكسائي وخلف في النحل والباقون يُلّحِدون بضم الياء وكسر الحاء. الحجة: قال أبو الحسن: لحدوا لحداً لغتان واللحد في الكلام أكثر قال الشاعر:
ليس الإمام بالشحيح الملحدِ   
وفي القرآنومن يرد فيه بإلحاد } [الحج: 25]. اللغة: الذرء والإنشاء والإحداث والخلق نظائر قال علي بن عيسى: الاسم كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة والفعل كلمة تدل على المعنى دلالة الإفادة والصفة كلمة مأخوذة للمذكور من أصل من الأصول لتجري عليه تابعة له والإلحاد العدول عن الاستقامة والانحراف عنها ومنه اللحد الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه وروى أبو عبيدة عن الأحمر لحدت جزت وملت وألحدت ماريت وجادلت أبو عبيدة لحدت للميت وألحدت بمعنى واحد. الإعراب: اللام في قولـه لجهنم لام العاقبة كما في قولـه { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً } وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين كما قالت امرأة فرعونقرة عين لي ولك } [القصص: 9] ومثله قول الشاعر:
وَأُمَّ سِماكٍ فَلاَ تَجْزَعي   فَلِلْمَوْتِ ما تَلِدُ الوالِدَه
وقول الآخر:
ولِلمَوت تَغْذُو الوالدِاتُ سِخالَها   كَما لِخَرابِ الدَّهْرِ تُبْنَى المَساكِنُ
وقول الآخر:
أَمْوَالُنا لِذَوي الميراثِ نَجْمَعُها   وَدورُنا لِخَــرابِ الدَّهْرِ نَبْنيها
وقول الآخر:
يا أُمَّ وَجْرةَ بَعْدَ الوَجْدِ وَاعْتَرفي   فَكُــــلُّ والِدَةٍ لِلْمَــوْتِ ما تَلِدُ
قال علي بن عيسى: هي لام الإضافة تذكر مرة على معنى العلة ومرة على معنى شبه العلة. المعنى: لما بيَّن سبحانه أمر الكفار وضرب لهم الأمثال عَقَّبه ببيان حالهم في المصير والمال فقال { ولقد ذرأنا } أي خلقنا { لجهنم كثيراً من الجن والإنس } يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم ويدل على هذا المعنى قولـه سبحانهوما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون } [الأنبياء: 56] فأخبر أنه خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار وقولـهوما أرسلنا من رسول إلاَّ ليطاع بإذن الله } [النساء: 64] ولقد صرفناه بينهم ليذكروا في نظائر لذلك لا تحصى والمراد بالآية كل من علم الله تعالى أنه لا يؤمن ويصير إلى النار. { لهم قلوب لا يفقهون بها } الحقَّ لأنهم لا يتدبرون أدلة الله تعالى وبيَّناته { ولهم أعين لا يبصرون بها } الرشدَ { ولهم آذان لا يسمعون بها } الوعظَ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك إعراض من ليست له آلة الإدراك وقد مر تفسيره في سورة البقرة عند قولـهصم بكم عمي } [البقرة: 18، 171] الآية. { أولئك كالأنعام } أي هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله ولا يستدلون بها على وحدانيته وصدق أنبيائه أشباه الأنعام والبهائم التي لا تفقه ولا تعلم { بل هم أضل } من البهائم فإنها إذا زُجرت انزجرت وإذا أرشدت إلى طريق اهتدت وهؤلاء لكفرهم وعتوهم لا يهتدون إلى شيء من الخيرات مع ما ركَّب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد الصارفة عن الفساد ولم يذكر بل ههنا للرجوع عن الأول ولكن للإضراب عنه مع بقائه.

السابقالتالي
2 3