الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير وأهل الكوفة ذريتهم على التوحيد والباقون ذرياتهم على الجمع وقرأ أبو عمرو أن يقولوا أو يقولوا بالياء والباقون بالتاء. الحجة: قال أبو علي: الذرية قد يكون جمعاً وقد يكون واحداً فمما جاء فيه جمعاً قولـهوكنا ذرية من بعدهم } [الأعراف: 173] وذرية من حملنا مع نوح } [الإسراء: 3] فمن أفرد جعله جمعاً فاستغنى عن جمعه لوقوعه على الجمع ومما جاء فيه واحداً قولـهرب هب لي من لدنك ذرية طيبة } [آل عمران: 38] ثم قالإن الله يبشّرك بيحيى } [آل عمران: 39] وهذا مثل قولـه ربفهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } [مريم: 5 - 6] وأما قراءة أبي عمرو أن يقولوا بالياء فلأن الذي تقدَّم من الكلام على الغيبة ومن قرأ بالتاء فلأنه جرى في الكلام خطاب أيضاً فقال { ألست بربكم } وكلا الوجهين حسن لأن الغُيَّب هم المخاطبون في المعنى. الإعراب: من ظهورهم بدل من قولـه من بني آدم والمعنى أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم وقد ذكرنا الذرية وما قيل في تقدير وزنها واشتقاقها فيما تقدم وقولـه { أن تقولوا } تقديره كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا وقد مضى الكلام في أمثاله. المعنى: ثم ذكر سبحانه ما أخذ على الخلق من المواثيق بعقولـهم عقيب ما ذكره من المواثيق التي في الكتب جمعاً بين دلائل السمع والعقل وإبلاغاً في إقامة الحجة فقال: { وإذ أخذ ربك } أي واذكر لهم يا محمد إذ أخرج ربك: { من بني آدم من ظهورهم } أي من ظهور بني آدم: { ذريتهم وأَشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } إختلف العلماء من العام والخاص في معنى هذه الآية وفي هذا الإخراج والإشهاد على وجوه: أحدها: أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر فعرضهم على آدم وقال: إني آخذ على ذريتك ميثاقهم أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعليَّ أرزاقهم ثم قال لهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أنك ربنا فقال للملائكة: أشهدوا فقالوا شهدنا. وقيل: إن الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه ويفهمونه ثم ردَّهم إلى صلب آدم والناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه الله في ذلك الوقت وكل من ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأولى ومن كفر وجحد فقد تغير عن الفطرة الأول عن جماعة من المفسرين ورووا في ذلك آثاراً بعضها مرفوعة وبعضها موقوفة ويجعلونها تأويلاً للآية وردَّ المحققون هذا التأويل وقالوا: إنه مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لأنه تعالى قال وإذ أخذ ربك من بني آدم ولم يقل من آدم وقال من ظهوركم ولم يقل من ظهره وقال ذريتهم ولم يقل ذريته.

السابقالتالي
2 3