الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة بعذاب بيسٍ بكسر الباء غير مهموز على وزن فِعل وقرأ ابن عامر بئس مهموز على وزن فعل أيضاً وقرأ أبو بكر غير حماد بَيْئَس على وزن فيعل والباقون بئيس على وزن فعيل وروي في الشواذ عن ابن عباس بَيْئِس على وزن فيعل وعن زيد بن ثابت بَئِس على وزن فعل وعن يحيى والسلمي بخلاف بئَس وعن طلحة بن مصرف بيس وروي أيضاً عن نافع وروي عن مجاهد بائس على وزن فاعل وعن الحسن بِئسَ بكسر الباء وفتح السين. الحجة: قال أبو علي: من قرأ بئيس فإنه يحتمل أمرين أن يكون فعيلاً من بؤس يبؤس إذا كان شديد البأس فيكون مثل بعذاب شديد وأن يكون مصدراً على فعيل نحو النذير والنكير وقولـهم:
عَذير الحيّ مِن عَدوا   نَ كانوا جبّةً الأرضِ
فوصف بالمصدر والتقدير بعذاب ذي بئيس أي ذي بؤس ومن قرأ بعذاب بِئسَ فإنه جعل بئس الذي هو فعلٌ اسماً فوصف به ومثل ذلك قولـه إن الله ينهى عن قِيلٍ وقَالٍ ومثله مُذ شُبَّ إلى دبٍّ فلما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالاً فكذلك بئس جعله اسماً بعد أن كان فعلاً فصار وصفاً ومن قرأ بيئس فإنه يكون وصفاً مثل ضيغم وحيدر وقال ولا يجوز كسر العين منه لأن فيعل بناء اختص به ما كان عينه ياء أو واواً مثل طيّب وسيّد ولم يجىء مثل ضيغم وقد جاء في المعتل فيعل أنشد سيبويه:
ما بالُ عينك كالشَعيبِ العيِّنِ   
فينبغي أن يحمل بيئَس ممن رواه على الوهم قال ابن جني: وإنما جاء في الهمز لمشابهتها حرفي العلة وأما بَئِس على فَعِل فإنه جاء على بَئِس الرجل بأسةً إذا شجع فكأنه عذاب مقدم عليهم غير متأخر عنهم ويجوز أن يكون مقصوراً من بئيسٍ فيكون مثل أنِق من أنيقٍ وأمّا بَيْس في وزن جَيْش فكأنه أراد بئس فخفف الهمزة فصارت بين بين فلما قاربت الياء أسكنها طلباً للخفة فصارت في اللفظ ياء ونحو من ذلك قول ابن ميادة:
وكان يومئذٍ لها حكمها   
أراد يومئذ فخفف وأما بائس فاسم الفاعل من بئس وأنكر أبو حاتم قراءة الحسن بئس وقال لو كان كذا لما كان بدُّ معها من ما بئس ما، كنعم ما. اللغة: قال أبو زيد: يقال بَؤُسَ الرجلُ يبؤُسُ بأساً إذا كان شديد البأس وفي البؤس وهو الفقر بَئِسَ الرجلَ يبأسُ بُؤساً وبأساً والبأساء الاسم والعتو الخروج إلى أفحش الذنوب والعاتي المبالغ في المعاصي والليل العاتي الشديد الظلمة والخاسىء المطرود المبعد عن الخير من خسأت الكلب إذا أقصيته فخسأ أي بعد. المعنى: { فلما نسوا ما ذكروا به } أي فلما ترك أهل هذه القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن إرتكاب المعصية بصيد السمك { أنجينا الذين ينهون عن السوء } أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية { وأخذنا الذين ظلموا } أنفسهم { بعذاب بئيس } أي شديد { بما كانوا يفسقون } أي بفسقهم وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة عن الجبائي ولم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أم من الهالكة وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن نجت الفرقتان وهلكت الثالثة وبه قال السدي.

السابقالتالي
2