الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم الرَشَد بفتح الراء والشين والباقون الرُشْد بضم الراء وسكون الشين. الحجة: هما لغتان ويحكى أن أبا عمرو فرَّق بينهما فقال الرُشد الصلاح والرَشَد في الدين مثل قولـهمما علمت رُشداً } [الكهف: 66] وتحرّوا رَشَداً } [الجن: 14] فهذا في الدين وقولـهفإن آنستم منهم رُشداً } [النساء: 6] وهو في إصلاح المال والحفظ له وقد جاء الرَّشَد في غير الدين قال:
حَنَّتْ إلى نَعَمِ الدَّهْنا فَقُلتُ لَها   أُمّي بِلالاً عَلَى التَّوْفيقِ وَالرَّشَدِ
اللغة: الرُشْد سلوك طريق الحق يقال رَشد يرشدُ رشاداً ورَشِد يرشَدُ رُشداً ورَشَداً وضدُّه الغيّ غوي يغوي غيّاً وغواية والحبوط سقوط العمل حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل وأصله الفساد من الحبط وهو داء يأخذ البعير في بطنه من فساد الكلأ عليه ويقال حبطت الإبل تحبط حبطاً إذا أصابها ذلك وإذا عمل الإنسان عملاً على خلاف الوجه الذي أمر به يقال أحبطه. المعنى: { سأصرف عن آياتي الذين يتكبَّرون في الأرض } ذكر في معناه وجوه: أحدها: إنه أراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة بآياتي والاعتزاز بها كما يناله المؤمنون في الدنيا والآخرة المستكبرين في الأرض بغير الحق كما فعل بقوم موسى وفرعون فإن موسى كان يقتل من القبط وكان أحد منهم لا يجسر أن يناله بمكروه خوفاً من الثعبان وعبر ببني إسرائيل البحر وغرق فيه فرعون وقومه عن أبي علي الجبائي: والآيات على هذا التأويل يحتمل أن تكون سائر الأدلة ويحتمل أن تكون معجزات الأنبياء وفي قولـه { ذلك بأنهم كذَّبوا بآياتنا } بيان أن صرفهم عن الآيات مستحقّ بتكذيبهم. وثانيها: أن معناه سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على الأنبياء ع بعد قيام الحجة بما تقدَّم من المعجزات التي ثبتت بها النبوة لأن هذا الضرب من المعجزات إنما يظهر إذا كان في المعلوم أنه يؤمن عنده من لا يؤمن بما تقدَّم من المعجزات فيكون الصرف بأن لا يظهرها جملة أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها ويظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم وهذا الوجه اختاره القاضي لأن ما بعده يليق به من قولـه { وإن يروا سبيل الرشد } إلى آخر الآية. وثالثها: أن معناه سأمنع الكذابين والمتكبّرين آياتي ومعجزاتي وأصرفهم عنها وأخصُّ بها الأنبياء فلا أظهرها إلا عليهم وإذا صرفهم عنها فقد صرفهم عنهم وكلا اللفظين يفيد معنى واحداً فليس لأحد أن يقول هلاَّ قال سأصرف آياتي عن الذين يتكبَّرون وهذا يبطل قول من قال إن الله تعالى جعل النيل في أمر فرعون فكان يجري بأمره ويقف وما شاكل ذلك. ورابعها: أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات والحجج والقدح فيها بما يخرجها عن كونها أدلة وحججاً ويكون تقدير الآية إني أصرف المبطلين والمكذّبين عن القدح في دلالاتي بما أؤيّدها وأحكمها من الحجج والبينات ويجري ذلك مجرى قول أحدنا إن فلاناً منع أعدائه بأفعاله الحميدة وأخلاقه الكريمة من ذمّه وتهجينه وأخرس ألسنتهم عن الطعن فيه وإنما يريد المعنى الذي ذكرناه ويكون على هذا قولـه { ذلك بأنهم كذّبوا بآياتنا } راجعاً إلى ما قبله بلا فصل من قولـه { وإن يروا سبيل الرشد لا يتَّخذوه سبيلاً } ولا يرجع إلى قولـه { سأصرف }.

السابقالتالي
2 3