الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

القراءة: جعله دكاً بالمد ها هنا وفي الكهف كوفي غير عاصم ووافقهم عاصم في الكهف والباقون دكاً بالقصر والتنوين في الموضعين. الحجة: قال الزجاج: جعله دكاً بالتنوين معناه جعله مدقوقاً مع الأرض والدكاء والدكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها لا تبلغ أن تكون جبلاً قال أبو الحسن: لما قال جعله فكأنه قال دكَّه وأراد جعله ذا دكّ وقال أبو عبيده: جعله دكاً أي مندكاً وناقة دكاء ذاهبة السنام كأنه جعله كالناقة الدكاء فبقي أكثره والدك المستوي وأنشد للأغلب:
هل غير غار دكّ غاراً فانهدمْ   
وقال علي بن عيسى دكاً: مستوياً بالأرض يقال دكَّه يدكه دكاً أي سحقه سحقاً. اللغة: التجلي الظهور ويكون تارة بالظهور وتارة بالدلالة قال الشاعر:
تَجَلَّى لَنا بالمِشْرِفيَّةِ وَالقَنا   وَقَدْ كانَ عَنْ وَقْعِ الأَسِنَّةِ نائِيا
أراد الشاعر أن تدبيره دلَّ عليه ويقال للسيد هو ابن جلا أي لا يخفى أمره لشهرته وفي خطبة الحجاج: أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني قال سيبويه: جلا فعل ماض فكأنه قال أنا ابن الذي جلا أي أوضح وكشف. المعنى: ثم ذكر سبحانه حديث الميقات فقال { ولما جاء موسى لميقاتنا } معناه ولما انتهى موسى إلى المكان الذي وقّتناه له وأمرناه بالمصير إليه لنكلِّمه وننزِّل عليه التوراة ويمكن أن يكون المراد بالميقات الزمان الذي وقته الله تعالى له أن يأتي ذلك المكان فيه فإن لفظ الميقات كما يقع على الزمان يقع على المكان كمواقيت الإحرام فإنها للأمكنة التي لا يجوز مجاوزتها لأهل الآفاق إلا وهم محرمون { وكلَّمه ربه } من غير سفير أو وحي كما كان يكلّم الأنبياء على ألسنة الملائكة ولم يذكر من أيّ موضع أسمعه كلامه وذكر في موضع آخر أنه أسمعه كلامه من الشجرة فجعل الشجرة محلاً للكلام لأن الكلام عرض لا يقوم إلا بجسم. وقيل: إنه في هذا الموضع أسمعه كلامه من الغمام. { قال ربّ أرني أنظر إليك } أي أرني نفسك أنظر إليك اختلف العلماء في وجه مسألته ع الرؤية مع علمه بأنه سبحانه لا يدرك بالحواس على أقوال: أحدها: ما قاله الجمهور وهو الأقوى أنه لم يسأل الرؤية لنفسه وإنما سألها لقومه حين قالوا لهلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [البقرة: 55] ولذلك قال ع لما أخذتهم الرجفةتهلكنا بما فعل السفهاء منّا } [الأعراف: 155] فأضاف ذلك إلى السفهاء ويسأل على هذا فيقال لو جاز أن يسأل الرؤية لقومه مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى لجاز أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه من كونه جسماً وما أشبه ذلك متى شكّوا فيه والجواب إنما صحّ السؤال في الرؤية لأن الشك في جواز الرؤية التي تقتضي كونه جسماً يمكن معه معرفة السمع وأنه سبحانه حكيم صادق في إخباره فيصحّ أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في صحته وجوازه ومع الشك في كونه جسماً لا يصح معرفة السمع من حيث إن الجسم لا يجوز أن يكون غنيّاً ولا عالماً بجميع المعلومات لا بدَّ في العلم بصحة السمع من ذلك فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم.

السابقالتالي
2 3