الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }

اللغة: الإِنظار والإِمهال والتأخير والتأجيل نظائر وبينها فروق وضدُّ الإِمهال الإِعجال والبعث الإِطلاق في الأَمر والانبعاث الانطلاق والبعث والحشر والنشر والجمع نظائر. الإعراب: لأًقعدنَّ جواب للقسم والقسم محذوف لأَن غرضه بالكلام التأكيد وهو ضدُّ قولـهص والقرآن ذي الذكر } [ص: 1] فإنه حذف الجواب هناك وبقي القسم لأَن الغرض تعظيم المقسم به ونصب صراطك على الحذف دون الظرف وتقديره على صراطك كما قيل ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن قال الشاعر:
لدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسَلُ مَتْنُـــهُ   فيهِ كمَا عَسَلَ الْطَرِيقَ الثَعْلَبُ
وقال آخر:
كَأنِّي إذا أسْعى لأَظفَــرُ طائــــراً   مَعَ النَّجْمِ في جَوّ السَّماءِ يَصُوبُ
أي لأَظفر على طائر. المعنى: { قال } يعني إبليس { أنظرني } أي أمهلني وأخرني في الأَجل ولا تمتني { إلى يوم يبعثون } أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء. وقيل: معناه أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة فكأنه خاف أن يعاجله الله سبحانه بالعقوبة يدل عليه قولـه إلى يوم يبعثون ولم يقل إلى يوم يموتون ومعلوم أن الله تعالى لا يُبقي أحداً حيّاً إلى يوم القيامة قال الكلبي: أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الأولى مع من يموت فأجيب بالإِنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهي النفخة الأُولى ليذوق الموت بين النفختين وهو أربعون سنة وأما الوجه في مسألة إبليس الإِنظار مع علمه بأنه مطرود ملعون فعلمه بأنه سبحانه يظاهر إلى عباده بالنعم ويعمّهم بالفضل والكرم فلم يصرفه ارتكابه المعصية عن المسألة والطمع في الإِجابة. { قال } أي قال الله سبحانه لإِبليس { إنك من المنظرين } أي من المؤخرين { قال } إبليس لما لعنه الله وطرده ثم سأله الإِنظار فأجابه الله تعالى إلى شيء منه { فبما أغويتني } أي فبالذي أغويتني قيل في معناه أقوال أحدها: أن معناه بما خيَّبتني من رحمتك وجنّتك كما قال الشاعر:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدُ النَّاسُ أمْرَه   وَمَنْ يَغْوَ لا يَعْدِمْ عَلَى الْغَيِّ لائِما
أي مَن يَخِبْ وثانيها: أن المراد امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده فلذلك قال { أغويتني } كما قالفزادتهم رجساً إلى رجسهم } [التوبة: 125] وثالثها: أن معناه حكمت بغوايتي كما يقال أضللتني أي حكمت بضلالتي عن ابن عباس وابن زيد ورابعها: أن معناه أهلكتني بلعنك أياي كما قال الشاعر:
مُعَطّفَةُ الأَثْناءِ لَيْسَ فَصيلُها   بِرازِئَها ذَرّاً وَلا مَيّتٍ غَوَى
أي ولا ميت هلاكاً بالقعود عن شرب اللبن ومنه قولـهفسوف يلقون غياً } [مريم: 59] أي هلاكاً وقالوا غوى الفصيل إذا فقد اللبن فمات والمصدر غوى مقصور وخامسها: أي يكون الكلام على ظاهره من الغواية ولا يبعد أن يكون إبليس قد اعتقد أن الله تعالى يغوي الخلق بأن يضلهم ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر.

السابقالتالي
2