الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } * { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }

القراءة: قرأ أبو جعفر والكسائي { فسُحُقاً } بضمتين والباقون بالتخفيف. الحجة: سُحُق وسُحْق مثل عنق وعنق وطنب وطنب ونحو ذلك وكلاهما حسن. اللغة: الشهيق صوت تقطيع النفس كالنزع وإذا اشتدَّ لهيب النار سمع منها ذلك الصوت كأنها تطلب الوقود قال رؤبة:
حَشْرَجَ فِي الْجَوْفِ سَحِيلاً أَوْ شَهَقْ   حَتّـى يُقــال ناهـِــقٌ وَما نَهَـقْ
وقيل إن الشهيق في الصدر والزفير في الحلق والفور ارتفاع الشيء بالغليان يقال فارت القدر تفور ومنه الفوارة لارتفاعها بالماء ارتفاع الغليان ومنه فار الدم من الجرح وفار الماء من الأرض والسحق البعد يقال: أسحقهم الله إسحاقاً وسحقاً أي ألزمهم الله سحقاً عن الخير فجاء المصدر على غير لفظه كما قال والله أنبتكم من الأرض نباتاً وتقديره فأسحقهم إسحاقاً وأما سحقته سحقاً فمعناه باعدته بالتفريق عن حال اجتماعه حتى صار كالغبار. المعنى: لمّا تقدَّم وعيد الشياطين الذين دعوا إلى الكفر والضلال أتبعه سبحانه بذكر الكفار الضلال فقال { وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير } أي بئس المآل والمرجع وإنما وصف ببئس وهو من صفات الذمّ والعقاب حسن لما في ذلك من الضرر الذي يجب على كل عاقل أن يتقيه بغاية الجهد ولا يجوز قياساً على ذلك أن يوصف به فاعل العقاب لأنه لا يقال بئس الرجل إلا على وجه الذم ووجه الحكمة في فعل العقاب ما فيه من الزجر المتقدم للمكلف ولا يمكن أن يكون مزجوراً إلا به ولولاه لكان مغرى بالقبيح. { إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً } أي إذا طرح الكفار في النار سمعوا للنار صوتاً فظيعاً مثل صوت القدر عند فورانها وغليانها فيعظم بسمّاع ذلك عذابهم لما يرد على قلوبهم من قوله { وهى تفور } أي تغلي بهم كغلي المرجل. { تكاد تميز } أي تتقطع وتتفرق { من الغيظ } أي شدة الغضب سمّى سبحانه شدة التهاب النار غيظاً على الكفار لأن المغتاظ هو المتقطع مما يجد من الألم الباعث على الإيقاع بغيره فحال جهنم كحال المتغيظ { كلما ألقي فيها } أي كلّما طرح في النار { فوج } من الكفار { سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } أي تقول لهم الملائكة الموكّلون بالنار على وجه التبكيت لهم في صيغة الاستفهام ألم يجيئكم مُخوِّف من جهة الله سبحانه يُخوّفكم عذاب هذه النار. { قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذَّبنا وقلنا ما نزل الله من شيء } أي فيقولون في جوابهم بلى قد جاءنا مخوِّف فلم نصدّقه وكذَّبناه ولم نقبل منه بل قلنا له ما نزَّل الله شيئاً مما تدعونا إليه وتحذرنا منه فتقول لهم الملائكة { إن أنتم إلا في ضلال كبير } أي لستم اليوم إلا في عذاب عظيم. وقيل: معناه قلنا للرسل ما أنتم إلا في ضلال أي ذهاب عن الصواب كبير في قولكم أنزل الله علينا كتاباً.

السابقالتالي
2