الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } * { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } * { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً }

القراءة: قرأ روح عن يعقوب مختلفاً عنه { من وجدكم } بكسر الواو والقراءة بضم الواو وقرأ ابن كثير وكائن بالمد والهمز والباقون { وكأين } بالهمز والتشديد. الحجة: يقال وجدت في المال جِدَّةً ووَجْداً ووِجْداً ووُجداً بتعاقب الحركات الثلاث على الواو ووجدت الضالة وِجْداناً ووجدت من الحزن وَجْداً ومن الغضب موجدة ووجداناً وكأين أصله أيُّ دخلت عليها الكاف الجارة كما دخلت على ذا في كذا فموضع كأين رفع بالابتداء كما إن كذا كذلك ولا موضع للكاف كما أن الكاف في كذا كذلك. قال أبو علي: مثل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم بحسبك أن تفعل كذا يريدون حسبك فعل كذا فالجار مع المجرور في موضع رفع وأنشد أبو زيد:
بِحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَنْ يَعْلَمُوا   بِأَنــََّــكَ فيهـــمْ غَنــِـيٌّ مُضَرْ
وأكثر العرب تستعملها مع من وكذلك ما جاء في التنزيل ومما جاء منه في الشعر قوله:
وَكائِــنْ بالأَباطِحِ مِنْ صَدِيقٍ   يَرانِي إِنْ أُصِبْتُ هُوَ المُصابا
وقول الآخر:
وَكائِنْ إلَيْكُمْ قادَ مِنْ رَأْسِ فِتْنَةٍ   جُنـُـوداً وَأَمْثالُ الجِبالِ كَتائِبُهْ
المعنى: ثم بيَّن سبحانه حال المطلقة في النفقة والسكنى فقال { اسكنوهن } أي في بيوتكم { من حيث سكنتم } من المساكن { من وجدكم } أي من ملككم وما تقدرون عليه عن السدي وأبي مسلم. وقيل: هو من الوجدان أي مما تجدونه من المساكن عن الحسن والجبائي. وقيل: من سعتكم وطاقتكم من الوجد الذي هو المقدرة قال الفراء يعول على ما يجد فإن كان موسعاً وسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان فقيراً فعلى قدر ذلك ويجب السكنى والنفقة للمطلقة الرجعية بلا خلاف فأما المبتوتة ففيها خلاف فذهب أهل العراق إلى أن لها السكنى والنفقة معاً وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن مسعود. وذهب الشافعي إلى أن لها السكنى بلا نفقة وذهب الحسن وأبو ثور إلى أنه لا سكنى لها ولا نفقة وهو المرويّ عن أئمة الهدى ع وذهب إليه أصحابنا ويدل عليه ما رواه الشعبي قال: دخلت على فاطمة بنت قيس بالمدينة فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: طلّقني زوجي البتة فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتدّ في بيت ابن أم مكتوم. وروى الزهري عن عبد الله أن فاطمة بنت قيس كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي وأنه خرج مع علي بن أبي طالب ع إلى اليمن حين أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها فأمر عياش بن أبي ربيعة والحرث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا والله ما لك من نفقة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهما فلم يجعل لها نفقة إلا أن تكون حاملاً فاستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت: أين أنتقل يا رسول الله قال عند ابن أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يراها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي أسامة بن زيد قال: فأرسل إليها مروان بن الحكم قبيصة بن ذؤيب فسألها عن هذا الحديث ثم قال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة وسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان بيني وبينكم القرآن قال الله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } إلى قوله { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } قالت هذا لمن كانت له مراجعة وأيّ أمر يحدث بعد الثلاث.

السابقالتالي
2 3