الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

اللغة: الزعم قول عن ظن أو علم ولذلك صار من باب الظن والعلم وعمل ذلك العمل قال:
فـَـإنْ تَزْعَمِينِي كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُمُ   فَإنِّي شَرَيْتُ الْحِلْمَ بَعْدَكَ بِالْجَهْلِ
والأولياء جمع ولي وهو الحقيق بالنصرة التي يوليها عند الحاجة والله ولي المؤمنين لأنه يوليهم النصرة عند حاجتهم والمؤمن ولي الله لهذه العلة ويجوز أن يكون لأنه يولي المطيع له نصرة عند حاجته والتمني هو قول القائل لما كان ليته لم يكن ولما لم يكن ليته كان فهو يتعلق بالماضي والمستقبل وهو من جنس الكلام عن الجبائي والقاضي وقال أبو هاشم: هو معنى في النفس يوافق هذا القول والجُمْعة والجُمُعة لغتان وجمعها جُمَع وجُمْعات. قال الفراء: وفيها لغة ثالثة جُمَعة بفتح الميم كضُحَكَة وهمزة وإنما سمى جمعة لأنه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات. وقيل: لأنه تجتمع فيه الجماعات. وقيل: إن أول من سمّاها جمعة كعب بن لؤي وهو أول من قال أما بعد وكان يقال للجمعة العروبة عن أبي سلمة. وقيل: إن أول من سمّاها جمعة الأنصار. قال ابن سيرين: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. وقيل: قبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم أيضاً مثل ذلك فلنجعل يوماً نجتمع فيه فنذكر الله عز وجل ونشكره وكما قالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذٍ وذكرهم فسمّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة وذلك لقلتهم فأنزل الله تعالى في ذلك إذا نودي للصلاة الآية فهذه أول جمعة جمعت في الإِسلام. فأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقيل إنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً حتى نزل قباء على عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسّس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن وادٍ لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإِسلام فخطب في هذه الجمعة وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل. فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره واستهديه وأؤمن به ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنّو من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيداً أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصي به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكراً في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت وحين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان من سوى ذلك يودُّ لو أن بينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد والذي صدق قوله ونجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول ما يبدّل القول لديَّ وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6