الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة وجعل الليل سكناً والباقون وجاعل بالألف والرفع الليل بالجر. الحجة: وجه قول من قرأ وجاعل الليل أن قبله اسم فاعل وهو فالق الحب وفالق الإصباح ليكون فاعل المعطوف مثل فاعل المعطوف عليه ألا ترى أن حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم ويقوي ذلك قولـهم:
لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقِرَّ عَيْنــــي   أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
فنصب وتقر ليكون في تقدير اسم بإضمار أن فيكون قد عطف اسماً على اسم وقولـه:
وَلَوْلا رِجالٌ مِنْ رِزامٍ ومازِنٍ   وَآلِ سَبيع أوْ أسَوَّك عَلْقَما
ومن قرأ أو جعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي فلما كان فاعل بمعنى فعل عطف عليه فعل لموافقته في المعنى ويدلك على أنه بمنزلة فعل أنه نزل منزلته فيما عطف عليه وهو قولـه { والشمس والقمر حسباناً } ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل حمل المعطوف على ذلك فنصب الشمس والقمر على فَعَل لما كان فاعل كفعل ويقوي ذلك قولـهم هذا معطي زيد درهماً أمس فالدرهم محمول على اعطى لأن اسم الفاعل إذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل فإذا كان معط بمنزلة أعطى كذلك جعل فالق بمنزلة فلق لأن اسم الفاعل لما مضى فعطف عليه فَعَل لما كان بمنزلته. اللغة: الفلق الشق يقال فلقه الصبح لأن الظلام ينفلق عنه والفَلَق المطمئن من الأرض كأنه منشق عنها، والحب جمع حبة جمع حبة وهو كل ما لا يكون له نوى كالبُرّ والشعير والنوى جمع نواة والإصباح والصبح واحد وهو مصدر أصبحنا إصباحاً، وقد روي عن الحسن أنه قرأ فالق الأصباح بالفتح يريد صبح كل يوم وما قرأ به غيره، والسكن الذي يسكن إليه والحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان. وقيل: هو مصدر حسبت الحساب أحسبه حساباً وحسباناً وحكي عن بعض العرب على الله حسبان فلان وحسبته أي حسابه والحسبان بكسر الحاء جمع حسبانة وهي وسادة صغيرة والحِسْبان والمَحْسبة مصدر حسبت فلاناً عاقلاً أحسِبه وأحسَبه. الإعراب: النصب في الشمس والقمر مفعول فعل يدل عليه قولـه وجاعل الليل سكناً وتقديره وجعل الشمس والقمر حسباناً وحسباناً المفعول الثاني منه ولا يجوز وجاعل الليل سكناً لأن اسم الفاعل إذا كان واقعاً لم يعمل عمل الفعل وأضيف إلى ما بعده لا غير تقول هذا ضارب زيد أمس لا غير. المعنى: ثم عاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين بعجائب الصنع ولطائف التدبير فقال سبحانه: { إن الله فالق الحب والنوى } أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منها النبات وشاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل والشجر عن الحسن وقتادة والسدي. وقيل: معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما عن ابن عباس والضحاك.

السابقالتالي
2