الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

اللغة: قال الزجاج: قضي في اللغة على ضروب كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه وقد ذكرنا معاني القضاء في سورة البقرة عند قولـهإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } [البقرة: 117] يقال لبست الأمر على القوم ألبسه لبساً إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلاً قال ابن السكيت يقال لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته ومعنى اللَبس منع النفس من إدراك الشيء بما هو كالستر له وأصله من الستر بالثوب وهو لبس الثوب لأنه يستر النفس يقال لبست الثوب ألبسه لباساً ولبساً والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله يقال حاق بهم يحيق حيقاً وحيوقاً وحيَقاناً بفتح الياء. المعنى: ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا { لولا } أي هلاّ { أنزل عليه } أي على محمد { ملك } نشاهده فنصدقه ثم أخبر تعالى عن عظم عنادهم فقال { ولو أنزلنا ملكاً } على ما اقترحوه لما آمنوا به واقتضت الحكمة استئصالهم وأن لا يُنظرهم ولا يمهلهم وذلك معنى قولـه { لقضي الأمر ثم لا ينظرون } أي لأهلكوا بعذاب الاستئصال عن الحسن وقتادة والسدي. وقيل: معناه لو أنزلنا ملكاً في صورته لقامت الساعة أو وجب استئصالهم عن مجاهد. ثم قال تعالى: { ولو جعلناه ملكاً } أي لو جعلنا الرسول ملكاً أو الذي ينزل عليه ليشهد بالرسالة كما يطلبون ذلك { لجعلناه رجلاً } لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته لأن أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس وكان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وكذلك نبأ الخصم إذ تسوَّروا المحراب وإتيانهم إبراهيم ولوطاً في صورة الضيفان من الآدميين. { وللبسنا عليهم ما يلبسون } قال الزجاج كانوا هم يلبسون على ضَعَفِتهم في أمر النبي فيقولون إنما هذا بشر مثلكم فقال لو أنزلنا ملكاً فرأوا هم المَلَك رجلاً لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم أي فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه لا يزيدهم بياناً بل يكون الأمر في ذلك على ما هم عليه من الحيرة. وقيل: معناه ولو أنزلنا ملكاً لما عرفوه إلا بالتفكر وهم لا يتفكرون فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه فأضاف اللبس إلى نفسه لأنه يقع عند إنزاله الملائكة. ثم قال سبحانه على سبيل التسلية لنبيه من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به { ولقد استهزىء برسل من قبلك } يقول لقد استهزأت الأمم الماضية برسلها كما استهزأ بك قومك فلست بأوّل رسول استهزىء به ولا هم أول أمة استهزأت برسولها. { فحاق بالذين سخروا منهم } أي فحلّ بالساخرين منهم { ما كانوا به يستهزؤن } من وعيد أنبيائهم بعاجل العقاب في الدنيا. وقيل: معنى حاق بهم أحاط بهم عن الضحاك وهو اختيار الزجاج أي أحاط بهم العذاب الذي هو جزاء استهزائهم فهو من باب حذف المضاف إذا جعلت ما في قولـه ما كانوا به يستهزؤن عبارة عن القرآن والشريعة وإن جعلت ما عبارة عن العذاب الذي كان يوعدهم به النبي إن لم يؤمنوا استغنيت عن تقدير حذف المضاف ويكون المعنى فحاق بهم العذاب الذي كانوا يسخرون من وقوعه.