الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } * { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

القراءة: قرأ أبو عمرو وورش من طريق البخاري رأى كوكباً بفتح الراء وكسر الهمزة حيث كان وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويحيى عن أبي بكر رأى بكسر الراء والهمزة وقرأ الباقون بفتح الراء والهمزة. الحجة: ذكر أبو علي الوجه في قراءة من لم يُمل وقراءة من أمال وأورد في ذلك كلاماً كثيراً تركنا ذكره خوفَ الإطالة. اللغة: يقال جنّ عليه الليل وجنه الليل وأجنه الليل إذا أظلم حتى يستر بظلمته ويقال لكل ما ستر قد جن وأجن ومنه اشتقاق الجن لأنهم استجنّوا عن أعين الناس وقال الهذلي:
وَماءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرى   وَقَدْ جَنَّهُ السّدَفُ الأدْهَمُ
ويقال أجننت الميت وجننته إذا واريته في اللحد وأفل يأفل أفوالاً إذا غاب قال ذو الرمة:
مَصابيحُ لَيْسَتْ باللَّواتي يَقُودُها   نُجُومٌ وَلا بالآفِلاتِ الدَّوالِكِ
والبزوغ الطلوع يقال بزغت الشمس إذا طلعت ويسمى ثلاث ليال من أول الشهر الهلال ثم يسمى قمراً إلى آخر الشهر وإنما يسمى قمراً لبياضه وحمار أقمر أبيض والحنيف المائل إلى الحق. الإعراب: السؤال يقال لم قال هذا ربي ولم يقل هذه كما قال بازغة. والجواب: إن التقدير هذا النور الطالع ربي ليكون الخبر والمخبر عنه جميعاً على التذكير كما كان جميعاً على التأنيث في رأى الشمس بازغة وقال ابن فضال المجاشعي قولـه { رأى الشمس بازغة } إخبار من الله تعالى وقولـه { هذا ربي } من كلام إبراهيم والشمس مؤنثة في كلام العرب وأما في كلام ما سواهم فيجوز أن لا تكون مؤنثة وإبراهيم ع لم يكن عربياً فحكى الله تعالى كلامه على ما كان في لغته ويقال لم أنَّث الشمس وذكَّر القمر والجواب أن تأنيثها تفخيم لها لكثرة ضيائها على حدِّ قولـهم نسَّابة وعلاَّمة وليس القمر كذلك لأنه دونها في الضياء ويقال لم دخلت الألف واللام فيها وهي واحدة ولم تدخل في زيد وعمرو قيل لأن شعاع الشمس يقع عليه اسم الشمس فاحتيج إلى التعريف إذا قصد إلى جرم الشمس أو إلى الشعاع على طريق الجنس أو الواحد من الجنس وليس زيد ونحوه كذلك. المعنى: لمَّا تقدم ذكر الآيات التي أراها الله تعالى إبراهيم ع بيَّن سبحانه كيف استدلَّ بها وكيف عرف الحق من جهتها فقال { فلما جنَّ عليه الليل } أي أظلم عليه وستر بظلامه كل ضياء { رأى كوكباً } واختلف في الكوكب الذي رآه فقيل هو الزهرة. وقيل: هو المشتري { قال هذا ربي فلما أفل } أي غرب { قال لا أحب الآفلين } واختلف في تفسير هذه الآيات على أقوال: أحدها: أن إبراهيم ع إنما قال ذلك عند كمال عقله في زمان مهلة النظر وخطور الخاطر الموجب عليه النظر بقلبه لأنه ع لما أكمل الله عقله وحرَّك دواعيه على الفكر والتأمل رأى الكوكب فأعظمه وأعجبه نوره وحسنه وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال هذا ربي على سبيل الفكر فلما أفل علم أن الأفول لا يجوز على الإله فاستدلَّ بذلك على أنه محدث مخلوق وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس فإنه لما رأى أفولهما قطع على حدوثهما واستحالة إلهيتهما وقال في آخر كلامه { يا قوم إني برىء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض } إلى آخره وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه وهذا اختيار أبي القاسم البلخي وغيره قال وزمان مهلة النظر هي أكثر من ساعة وأقل من شهر ولا يعلم ما بينهما إلا الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4