الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

اللغة: يقال أبسلته بجريرته أي أسلمته بها والمستبسل المستسلم الذي يعلم أنه لا يقدر على التخلص قال الشاعر:
وَإِبْسالي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْم   بَعَوْناهُ وَلا بِدَمٍ مُراقِ
أي إسلامي إياهم والبعو الجناية قال الأخفش: تبسل أي تجازي. وقيل: تبسل أي ترهن والمعاني متقاربة وهذا بسل عليك أي حرام عليك وجائز أن يكون أسد باسل من هذا أي أنه لا يقدر عليه وجائز أن يكون من الأول بمعنى أن معه من الإقدام ما يستبسل له قرنه ويقال أعْطِ الراقي بُسْلَتَه أي أجرته وتأويله أنه عمل في الشيء الذي قد استبسل صاحبه معه والعدل الفداء وأصله المثل والحميم الماء الحار أحم حتى انتهى غليانه ومنه الحمام. الإعراب: أن تبسل في موضع نصب بأنه مفعول وهو من باب حذف المضاف تقديره كراهية أن تبسل وقولـه ليس لها من دون الله صفة لنفس والتقدير نفس عادمة وليّاً وشفيعاً يكسبها أولئك الذين أبسلوا مبتدأ وخبر وقولـه لهم شراب من حميم يجوز أن يكون خبراً ثانياً لأولئك ويجوز أن يكون كلاماً مستأنفاً. المعنى: ثم عاد تعالى إلى وصف من تقدم ذكرهم من الكفار فقال { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } أي دعهم وإعرض عنهم وإنما أراد به أعراض إنكار لأنه قال بعد ذلك وذكر يريد دع ملاطفتهم ومجالستهم ولا تدع مذاكرتهم ودعوتهم ونظيره في سورة النساءفأعرض عنهم وعظهم } [النساء: 63]. { وغرتهم الحياة الدنيا } يعني به اغتروا بحياتهم { وذكر به } أي عظ بالقرآن. وقيل: بيوم الدين. وقيل: بالحساب { أن تبسل نفس بما كسبت } أي لكي لا تسلم نفس للهلكة بما كسبت أي بما عملت عن الحسن ومجاهد والسدي واختاره الجبائي والفراء. وقيل: إن معنى تبسل تهلك عن ابن عباس. وقيل: تحبس عن قتادة. وقيل: تؤخذ عن ابن زيد. وقيل: تسلم إلى خزنة جهنم عن عطية العوفي. وقيل: تجازى عن الأخفش. { ليس لها من دون الله ولي } أي ناصر ينجيها من العذاب { ولا شفيع } يشفع لها { وإن تعدل كل عدل } وإن تفد كل فداء { لا يؤخذ منها }. وقيل: معناه وإن تقسط كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا { أولئك الذين أبسلوا } أي أهلكوا. وقيل: أسلموا للهلكة فلا مخلص لهم. وقيل: ارتهنوا. وقيل: جوَّزوا { بما كسبوا } أي بكسبهم وعملهم { لهم شراب من حميم } أي ماء مغلي حار { وعذاب أليم } مؤلم { بما كانوا يكفرون } أي بكفرهم يريد جزاء على كفرهم. واختلف في الآية فقيل هي منسوخة بآية السيف عن قتادة. وقيل: ليست بمنسوخة وإنما هي تهديد ووعيد عن مجاهد وغيره وفيها دلالة على الوعيد العظيم لمن كانت هذه سبيله من الاستهزاء بالقرآن وبآيات الله وتحذير عن سلوك طريقتهم وقال الفراء: ما من أمة إلا ولهم عيد يلعبون فيه ويلهون إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن أعيادهم صلاة ودعاء وعبادة.