الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم خِفية بكسر الخاء هنا وفي الأعراف والباقون خُفية بالضم وقرأ قل من يُنجّيكم خفيفة يعقوبُ وسهل وقرأ الباقون يُنجّيكم وقرأ أهل الكوفة لئن أنجانا من هذه بالألف إلا أن عاصماً قرأ بالتفخيم والباقون بالإمالة وقرأ غيرهم من القراء لئن أنجيتنا وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر قل الله ينجّيكم بالتشديد والباقون يُنجيكم بالتخفيف. الحجة: أمّا خفية فإن أبا عبيدة قال خفية أي تخفون في أنفسكم وحكى غيره خفية وخفية لغتان وأما خيفة ففعلة من الخوف انقلبت الياء عن الواو للكسرة قال:
فَلا تَقْعُدَنَّ عَلـــــى زَخَّــــــةٍ   وَتُضْمِرَ فِي القَلْبِ وَجْداً وخِيفا
وهو جمع خيفة وأما قولـه ينجيكم فإنهم قالوا نجا زيد فإذا نقل الفعل حسن نقله بالهمزة كما حسن نقله بالتضعيف وفي التنزيلفأنجاه الله من النار } [العنكبوت: 24]فأنجيناه والذين معه } [الأعراف: 72] وفيهونَجّينا الذين آمنوا } [فصلت: 18] فاستوى القراءتان في الحسن فأما من قرأ أنجانا فإنه حمله على الغيبة لأن ما قبله تدعونه وما بعده قل الله ينجيكم وكلاهما للغيبة ومن قرأ لئن أنجيتنا فإنه واجه بالخطاب ولم يراع من المشاكلة ما راعاه الكوفيون. الإعراب: تدعونه في موضع نصب على الحال تقديره قل من ينجيكم داعين وقائلين لئن أنجيتنا، تضرعاً نصب بأنه حال أيضاً من تدعونه وكذلك خفية والمعنى تدعونه مظهرين الضراعة ومضمرين الحاجة إليه أو مُعلنين ومُسرّين. المعنى: ثم عاد سبحانه إلى حجاج الكفار فقال { قل } يا محمد لهؤلاء الكافر { من ينجيكم } أي يخلصكم ويسلمكم { من ظلمات البر والبحر } أي من شدائدهما وأهوالهما عن ابن عباس، قال الزجاج: العرب تقول لليوم الذي فيه شدة يوم مظلم حتى أنهم يقولون يوم ذو كواكب أي قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل وأنشد:
بَنِي أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بَلاءَنا   إِذا كان يَوْمٌ ذُو كَواكِبَ أَشْهَبُ
وقال آخر:
فَدىً لِبَني ذُهْلِ بْنِ شَيْبانَ ناقَتِي   إِذا كَانَ يَوْماً ذَا كَواكِبَ اشْنَعا
وقال غيره أراد ظلمة الليل وظلمة الغيم وظلمة التيه والحيرة في البر والبحر فجمع لفظه ليدل على معنى الجمع { تدعونه } أي تدعون الله عند معاينة هذه الأهوال { تضرعاً وخفية } أي علانية وسرّاً عن ابن عباس والحسن. وقيل: تدعونه مخلصين متضرعين تضرعاً بألسنتكم وخفية في أنفسكم وهذا أظهر. { لئن أنجانا } أي في أي شدة وقعتم قلتم لئن أنجيتنا { من هذه لنكونن من الشاكرين } لإنعامك علينا وهذا يدل على أن السنة في الدعاء التضرع والإخفاء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي " ومَرَّ بقوم رفعوا أصواتهم بالدعاء فقال: " إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً قريباً " { قل } يا محمد { الله ينجيكم } أي ينعم عليكم بالنجاة والفرج ويُخلّصكم { منها } أي من هذه الظلمات { من كل كرب } أي ويُخلِّصكم الله من كل غم { ثم أنتم تشركون } بالله تعالى بعد قيام الحجة عليكم ما لا يقدر على الإنجاء من كل كربٍ وإن خف.