الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

القراءة: قرأ ابن عامر بالغُدْوَةِ والعَشِيّ في كل القرآن بواو والباقون بالغداة بالألف. الحجة: قال أبو علي: الوجه الغداة لأنها تستعمل نكرة وتتعرف باللام فأما غدوة فمعرفة لم تتنكر وهو عَلَم صيغ له قال سيبويه: غدوة وبكرة جعل كل واحد منهما اسماً للجنس كما جعلوا أمّ حُبَين اسماً لدابة معروفة قال وزعم يونس عن أبي عمرو وهو القياس أنك إذا قلت لقيته يوماً من الأيام غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنوّن وهذا يقوي قراءة من قرأ بالغداة والعشي، ووجه قراءة ابن عامر أن سيبويه قال زعم الخليل أنه يجوز أن تقول أتيتك اليوم غدوة وبكرة فجعلهما بمنزلة ضحوة ومن حجته أن بعض أسماء الزمان جاء معرفة بغير ألف ولام نحو ما حكاه أبو زيد من قولـهم لقيته فَيْنةَ غير مصروف والفَينة فألحق لام المعرفة ما استعمل معرفة ووجه ذلك أنه يقدّر فيه التنكير والشياع كما يقدّر فيه ذلك إذا ثنى وذلك مستمر في جميع هذا الضرب من المعارف ومثل ذلك ما حكاه سيبويه من قول العرب هذا يوم اثنين مباركاً وأتيتك يوم اثنين مباركاً فجاء معرفة بلا ألف ولام كما جاء بالألف واللام ومن ثمّ انتصب الحال ومِثْل ذلك قولـهم هذا ابن عرس مقبل إما أن يكون جعل عرساً نكرة وإن كان علماً وإما أن يكون أخبر عنه بخبرين. الإعراب: فتطردهم جواب للنفي في قوله ما عليك من حسابهم من شي وما من حسابك عليهم من شيء وقوله: { فتكون } نصب لأنه جواب للنهي وهو قوله: { ولا تطرد } أي لا تطردهم فتكون من الظالمين وقد بيّنا تقديره في مواضع. النزول: روى الثعلبي بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك أفنحن نكون تَبَعاً لهم أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم أطردُهم عنك فلعلك إن طردتهم تبعناك فأنزل الله تعالى ولا تطرد إلى آخره. وقال سلمان وخباب: فينا نزلت هذه الآية " جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينه بن حصين الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم وقالوا يا رسول الله لو نحيّتَ هؤلاء عنك حتى نخلو بك فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ثم إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقالا له: أكتب لنا بهذا على نفسك كتاباً فدعا بصحيفة واحضر عليا ليكتب قال ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرائيل ع بقوله { ولا تطرد الذين يدعون } إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } فنحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة وأقبل علينا ودنونا منه وهو يقول: " كتب ربكم على نفسه الرحمة " فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } الآية. قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا ويدنو حتى كادت ركبتنا تمس ركبته فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم وقال لنا: " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات " ".

السابقالتالي
2 3