الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

اللغة: الدابّة كل ما يدبّ مِن الحيوان وأصله الصفة من دبّ يدبّ دبيباً إذا مشى مشياً فيه تقارب خطو والدَبُوب والدَيْبُوب النمّام وفي الحديث: " لا يدخل الجنة ديبوب ولا قَلاَّع " فالديبوب النمّام لأَنه يدبّ بالنميمة، والقَلاّع الواشي بالرجل ليقتلعه قال الأَزهري: تصغير الدابة دويبة الباء مخففة وفيها اشمام الكسر وفي الحديث: " أَيّتُكُنَّ صاحبة الجمل الأَدبب تنبحها كلاب الحوأب " أراد الأَدب فأظهر التضعيف وهو الكثير الوبر وقد دبّ يدبّ والجناح إحدى ناحيتي الطير اللتين يتمكن بهما من الطيران في الهواء وأصله الميل إلى ناحية. الإِعراب: مِن مزيدة وتأويله وما دابة ويجوز في غير القرآن ولا طائر بالرفع عطفاً على موضع مِن دابة وقولـه { من شيء } مِن زائدة أيضاً وتفيد التعميم أي ما فرطنا شيئاً ما وصُمّ وبُكم كلاهما خبر الذين كقولـهم هذا حلو حامض ودخول الواو لا يمنع من ذلك فإنه بمنزلة قولك صم بكم. المعنى: لمّا بيَّن سبحانه أنه قادر أن ينزل آية عَقّبه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحسن تدبيره وحكمته فقال { وما من دابة في الأَرض } أي ما من حيوان يمشي على وجه الأَرض { ولا طائر يطير بجناحيه } جمع بهذين اللفظين جميع الحيوانات لأَنها لا تخلو إما أن تكون مما يطير بجناحيه أو يدبّ ومما يسأل عنه أن يقال لم قال يطير بجناحيه وقد علم أن الطير لا يطير إلا بالجناح فالجواب أنّ هذا إنما جاء للتوكيد ورفع اللبس لأَن القائل قد يقول طِر في حاجتي أي أسرع فيها وقال الشاعر:
قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أَبْدى نَاجِذَيْهِ لَهُـــمْ   طارُوا إلَيْهِ زَرافاتٍ وَوُحْدانَا
وأنشد سيبويه:
فَطِرْتُ بِمُنْصلي في يَعْمَلاتٍ   دَوامِي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحا
وقيل إنما قال بجناحيه لأَن السمك تطير في الماء ولا أجنحة لها وإنما خرج السمك عن الطائر لأنه من دوّاب البحر وإنما أراد سبحانه ما في الأَرض وما في الجوّ { إلا أمم } أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يشتمل كل صنف على العدد الكثير عن مجاهد { أمثالكم } قيل إنه يريد أشباهكم في إيداع الله إياها وخلقه لها ودلالتها على أن لها صانعاً. وقيل: إنما مثلت الأُمم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبّرهم في أغذيتهم وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى ما لا يحصى كثرة من أحوالهم ومصالحهم وأنهم يموتون ويحشرون وبين بهذه الآية أنه لا يجوز للعباد أن يتعدّوا في ظلم شيء منها فإن الله خالقها والمنتصف لها. { ما فرَّطنا في الكتاب من شيء } أي ما تركنا. وقيل: معناه ما قصرنا واختلف في معنى الكتاب على أقوال: أحدها: أنه يريد بالكتاب القرآن لأَنه ذكر جميع ما يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا إما مجملاً وإما مفصلاً والمجمل قد بيَّنه على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه في قولـه

السابقالتالي
2 3