الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

اللغة: النفق سرب في الأَرض له مخلص إلى مكان آخر وأصله الخروج ومنه المنافق لخروجه من الإِيمان إلى الكفر ومنه النفقة لخروجها من اليد والسُلَّم الدرج وهو مأخوذ من السلامة قال الزجاج: لأَنه الذي يسلمك إلى مصعدك والاستجابة من الجوب وهو القطع وهل عندك جائبة خبر أي تجوب البلاد والفرق بين يستجيب ويجيب أن يستجيب فيه قبول لما دعي إليه وليس كذلك يجيب لأَنه يجوز أن يجيب بالمخالفة كما أن السائل يقول أتوافق في هذا المذهب أم تخالف فيقول المجيب أخالف عن علي بن عيسى. وقيل: إن أجاب واستجاب بمعنى. الإِعراب: جواب إنْ محذوف وتقديره إن استطعت ذلك فافعل قال الفراء: وإنما تفعله العرب في كل موضع يعرف فيه معنى الجواب ألا ترى أنك تقول للرجل إن استطعت أن تتصدق إن رأيت أن تقوم مَعَنا فتترك الجواب للمعرفة به فإذا قلت إن تقم تصب خيراً فلا بد من الجواب لأن معناه لا يعرف إذا طرح الجواب. المعنى: ثُمَّ بَيَّن سبحانه أن هؤلاء الكفار لا يؤمنون فقال مخاطباً لنبيّه صلى الله عليه وسلم { وإن كان كبر } أي عظم واشتد { عليك إعراضهم } وانصرافهم عن الإِيمان وقبول دينك وامتناعهم من اتباعك وتصديقك { فإن استطعت } أي قدرت وتهيأ لك { أن تبتغي } أي تطلب وتتخذ { نفقاً في الأَرض } أي سربا ومسكناً في جوف الأَرض { أو سلماً } أي مصعداً { في السماء } ودرجاً { فتأتيهم بآية } أي حجة تلجئهم إلى الإِيمان وتجمعهم على ترك الكفر فافعل ذلك. وقيل: فتأتيهم بآية أفضل مما آتيناهم به فافعل عن ابن عباس يريد لا آية أفضل وأظهر من ذلك. { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } بالإِلجاء وإنما أخبر عز اسمه عن كمال قدرته وأنه لو شاء لأَلجأهم إلى الإِيمان ولم يفعل ذلك لأَنه ينافي التكليف ويسقط استحقاق الثواب الذي هو الغرض بالتكليف وليس في الآية أنه سبحانه لا يشاء منهم أن يؤمنوا مختارين أو لا يشاء أن يفعل ما يؤمنون عنده مختارين وإنما نفى المشيئة لما يلجئهم إلى الإِيمان ليتبين أن الكفار لم يغلبوه بكفرهم فإنه لو أراد أن يحول بينهم وبين الكفر لفعل لكنه يريد أن يكون إيمانهم على الوجه الذي يستحق به الثواب ولا ينافي التكليف. { فلا تكونن من الجاهلين } قيل معناه فلا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم عن الجبائي. وقيل: إن هذا نفي للجهل عنه أي لا تكن جاهلاً بعد أن أتاك العلم بأحوالهم وأنهم لا يؤمنون والمراد فلا تجزع ولا تتحسر لكفرهم وإعراضهم عن الإِيمان وغلظ الخطاب تبعيداً وزجراً عن هذه الحال. ثم بَيَّن سبحانه الوجه الذي لأَجله لا يجتمع هؤلاء الكفار على الإِيمان فقال { إنما يستجيب الذين يسمعون } ومعناه إنما يستجيب إلى الإِيمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك ويُصغي إليك وإلى ما تقرأه عليه من القرآن ويتفكر في آياتك فإن من لم يتفكر ولم يستدل بالآيات بمنزلة من لم يسمع كما قيل:

السابقالتالي
2