الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر ولدار الآخرة بلام واحدة وجر الآخرة على الإضافة والباقون بلامين ورفع الآخرة، وقرأ أهل المدينة وابن ذكوان عن ابن عامر ويعقوب وسهل أفلا تعقلون بالتاء ها هنا وفي الأعراف ويوسف وياسين، ووافقهم حفص إلاّ في ياسين وحماد ويحيى عن أبي بكر في يوسف، وقرأ الباقون جميع ذلك بالياء. الحجة: من قرأ وللدار الآخرة فلأن الآخرة صفة للدار يدل على ذلك قولـه وللآخرة خير لك من الأولى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان وتلك الدار الآخرة نجعلها ومن أضاف داراً إلى الآخرة لم يجعل الآخرة صفة للدار فإن الشيء لا يضاف إلى نفسه لكنه جعلها صفة للساعة فكأنه قال ولدار الساعة الآخرة وجاز وصف الساعة بالاخرة كما وصف اليوم بالآخر في قولـهوأرجوا اليوم الآخر } [العنكبوت: 36] قال أبو علي: إنما حسن إضافة الدار إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبح إقامة الصفة مقام الموصوف لأن الآخرة قد صارت كالأبطح والأبرق ألا ترى أنه قد جاءوللآخرة خير لك من الأولى } [الضحى: 4] فاستعملت استعمال الأسماء ولم يكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء ومثل الآخرة في أنها استعملت الأسماء قولـهم الدنيا لمال استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا يلحق لام التعريف في نحو قولـه.
في سعي دنيا طال ما قد مُدَّتِ   
وأما وجه القراءة بالياء في أفلا يعقلون فهو أنه قد تقدم في ذكر الغيبة في قولـه للذين يتقون ووجه القراءة بالتاء أنه يصلح أن يكون خطاباً متوجهاً إليهم ويصلح أن يكون المراد الغيّب والمخاطبون فيغلب الخطاب. اللغة: كل شيء أتى فجاءة فقد بغت يقال بغته الأَمر يبغته بغتة قال الشاعر:
وَلكِنَّهُمْ باتُوا وَلَمْ أَخْشَ بَغْتَةً   وَأفْظَعُ شَيءٍ حَيْنَ يَفْجَأُكَ الْبَغْتُ
والحسرة شدة الندم حتى يحسر النادم كما يحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد والتفريط التقصير وأصله التقديم والإِفراط التقديم في مجاوزة الحد والتفريط التقديم في العجز والتقصير والوزر الثقل في اللغة واشتقاقه من الوزر وهو الحبل الذي يعتصم به ومنه قيل وزير كأنه يعتصم الملك به ومثله قولـه تعالىواجعل لي وزيراً من أهلي } [طه: 29] ويزرون يفعلون من وزر يزر وزراً إذا أثم. وقيل: وُزِر فهو موزور إذا فعل به ذلك ومنه الحديث في النساء يتبعن جنازة قتيل لهن: " ارجعن موزورات غير مأجورات " والعامة تقول مأزورات والعقل والنهي والحجي متقاربة المعنى فالعقل الإِمساك عن القبيح وقصر النفس وحبسها عن الحسن. قال الأَصمعي: وبالدهناء خبراء يقال له معقلة قال وتراها سميت معقلة لأَنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن والنهى لا يخلو أن يكون مصدراً كالهدى أو جمعاً كالظلم وهو في معنى ثبات وحبس ومنه النهي والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفله ويمنع ارتفاع ما حوله من أن يسيح على وجه الأرض والحجى أصله من الحجو وهو احتباس وتمكث قال:

السابقالتالي
2 3