الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

الإعراب: " هو " الأشبه أن يكون ضمير القصة والحديث وتقديره الأمر الله يعلم في السماوات وفي الأرض سركم وجهركم فالله مبتدأ ويعلم خبره وفي السماوات وفي الأرض في موضع النصب بيعلم وسرَّكم مفعولـه أيضاً ولا يكون الظرف الذي هو الجار والمجرور منصوب الموضع بالمصدر وأن جعلنا الظرف متعلقاً باسم الله جاز في قياس قول من قال إن أصل الله الإلاه فيكون المعنى هو المعبود في السماوات وفي الأرض يعلم وتقديره الأمر المعبود في السماوات وفي الأرض يعلم سرَّكم وجهركم ومن جعل اسم الله بمنزلة أسماء الأعلام فلا يجوز أن يتعلق الظرف به إلا أن يقدَّر فيه ضرباً من معنى الفعل ويجوز أن يكون هو مبتدأ والله خبره والعامل في قولـه في السماوات وفي الأرض اسم الله على ما قلناه ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر. المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال: { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سرَّكم وجهركم } فيه وجوه على ما ذكرناه في الإعراب فعلى التقدير الأول يكون معناه الله يعلم في السماوات وفي الأرض سرَّكم وجهركم ويكون الخطاب لجميع الخلق لأن الخلق إما أن يكونوا ملائكة فهم في السماء أو بشراً أو جنَّاً فهم في الأرض فهو سبحانه عالم بجميع أسرارهم وأحوالهم ومتصرفاتهم لا يخفى عليه منها شيء ويقويه قولـه { ويعلم ما تكسبون } أي يعلم جميع ما تعملونه من الخير والشر فيجازيكم على حسب أعمالكم. وعلى التقدير الثاني يكون معناه أن المعبود في السماوات وفي الأرض أو المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض يعلم سرَّكم وجهركم فلا تخفى عليه منكم خافية ويكون الخطاب لبني آدم وإن جعلت إسم الله علماً على هذا التقدير ثم علقت به قولـه في السماوات وفي الأرض لم يجز. وإن علقته بمحذوف يكون خبر الله أو حالاً عنه أوْهَمَ بأن يكون الباري سبحانه في محل تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وقال أبو بكر السراج: إن الله وإن كان اسماً علماً ففيه معنى الثناء والتعظيم الذي يقرب بهما من الفعل فيجوز أن يوصل لذلك بالمحل وتأويله وهو المعظم أو نحو ذا في السماوات وفي الأرض ثم قال: يعلم سركم وجهركم ومثل ذلك قولـه سبحانهوهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [الزخرف: 84]. قال الزجاج فلو قلت: هو زيد في البيت والدار لم يجز إلاَّ أن يكون في الكلام دليل على أن زيداً يدبّر أمر البيت والدار فيكون المعنى هو المدبّر في البيت والدار ولو قلت هو المعتضد والخليفة في الشرق والغرب أو قلت هو المعتضد في الشرق والغرب جاز وعلى مقتضى ما قاله أبو بكر والزجاج يكون في متعلقةً بما دلَّ عليه اسم الله ويكون هو الله مبتدأ وخبراً والمعنى وهو المنفرد بالإلهية في السماوات وفي الأرض لا إله فيهما غيره ولا مدبر لهما سواه وإن جعلت في السماوات خبراً بعد خبر فيكون التقدير وهو الله وهو في السماوات وفي الأرض يعني أنه في كل مكان فلا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.

السابقالتالي
2