الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } * { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وخلف ثم لم تكن بالتاء فتنتهم بالنصب وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم ثم لم تكن بالتاء أيضاً فتنتهم بالرفع وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ثم لم يكن بالياء فتنتهم بالنصب وقرأ حمزة والكسائي وخلف والله ربَنا بالنصب وقرأ الباقون بالجرّ. الحجة: من قرأ تكن بالتاء فتنتهم بالنصب فإنه أنَّث إن قالوا لما كان القول الفتنة في المعنى كما قالفله عشر أمثالها } [الأنعام: 160] فأنَّث الأمثال لما كانت في المعنى الحسنات ومما جاء في الشعر قول لبيد:
فَمَضى وَقَدَّمَها وَكَانَتْ عادَةً   مِنْهُ إذا هِيَ عَرَّدَتْ أقْدامُها
فأنَّث الاقدام لما كانت العادة في المعنى قال الزجاج: ويجوز أن يكون تأويل إلا أن قالوا إلا مقالتهم ومن قرأ لم تكن بالتاء فتنتهم رفعاً أثبت علامة التأنيث في الفعل المسند إلى الفتنة والفتنة مؤنثة وعلى هذه القراءة يكون قولـه إلاّ أن قالوا في موضع نصب بكونه خبر كان ومن قرأ لم يكن بالياء فتنتهم نصباً فعلى أن قولـه أن قالوا اسم كان والأولى والأقوى أن يكون فتنتهم نصباً وإن قالوا الاسم لأنّ أن إذا وصلت لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر فكما أن المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون المضمرُ الاسمَ أحسن، فكذلك أنْ إذا كانت مع اسم غيرها كانت، أن يكون الاسم أولى وأما من قرأ والله ربنا فإنه جعل الاسم المضاف وصفاً للمفرد ومثل ذلك رأيت زيداً صاحبنا وقولـه ما كنا مشركين جواب للقسم ومن قرأ ربنا بالنصب فصَّل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه والفصل به لا يمتنع وقد فصل بالنداء بين الصلة والموصول لكثرة النداء في الكلام وذلك مثل قول الشاعر:
ذاكَ الَّذِي وَأبِيكَ يُعْرَفُ مالِكٌ   وَالْحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهاتِ الْباطِلِ
ويجوز أن يكون نصبه على المدح بمعنى أعني ربنا واذكر ربنا. اللغة: قال الأزهري: جماع الفتنة في كلام العرب الامتحان مأخوذ من قولك فتنت الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار وأحرقتهما وقد فتن الرجل بالمرأة وافتتن وقد فتنته المرأة وافتنته قال الشاعر:
لِئَنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بِالأمْسِ أفْتَنَتْ   عَقِيلاً فأمْسى قَدْ قَلى كُلَّ مُسْلِمِ
الإعراب: العامل في كيف قولـه كَذَبوا ولا يجوز أن يعمل فيه أنظر لأن الاستفهام له صدر الكلام فلا يجوز أن يعمل فيه ما قبله. المعنى: ثُمَّ بيَّن سبحانه جوأب القوم عند توجه التوبيخ إليهم فقال { ثم لم تكن فتنتهم } اختلف في معنى الفتنة هنا على وجوه: أحدها: أن معناها ثم لم يكن جوابهم لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار إلاّ هذا القول.

السابقالتالي
2