الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اللغة: الرب إذا أطلق أفاد المالك بتصريف الشيء بأتم التصريف وإذا أضيف فقيل رب الدار ورب الضيعة فمعناه المالك لتصريفه بأتمّ تصريف العباد وأصله التربية وهي تنشئة الشيء حالاً بعد حال حتى يصير إلى الكمال والفرق بين الرب والسيد أن السيد المالك لتدبير السواد الأَعظم والرب المالك لتدبير الشيء حتى يصير إلى الكمال مع إجرائه على تلك الحال، ويقال وزر يزر وزراً ووزر يوزر فهو موزور وأصله من الوَزَر الذي هو الملجأ فحال الموزور كحال الملتجىء إلى غير ملجأ ومنه الوزير لأَن الملك يلتجىء إليه في الأمور. وقيل: أصله الثقل ومنه قولـهووضعنا عنك وزرك } [الشرح: 2] وكلاهما محتمل وواحد الخلائف خليفة مثل صحيفة وسفينة وسفائن وخلَّف فلان فلاناً يخلفه فهو خليفته إذا جاء بعده. الإِعراب: في نصف درجات ثلاثة أقوال أحدها: أن يقع موقع المصدر فكأنه قال رفعة بعد رفعة والثاني: أنه إلى درجات فحذفت إلى كما حذفته في قولك دخلت البيت وتقديره إلى البيت والثالث: أن يكون مفعولاً من قولك ارتفع درجة ورفعته درجة مثل اكتسى ثوباً وكسوته ثوباً. المعنى: لما أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم ببيان الإخلاص في الدين عقبَّه بأمره أن يبين لهم بطلان أفعال المشركين فقال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار على وجه الإنكار { أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء } وتقديره أيجوز أن أطلب غير الله رباً وأطلب الفوز بعبادته وهو مربوب مثلي وأترك عبادة من خلقني وربّاني وهو مالك كل شيء وخالقه ومدبّره وليس بمربوب أم هذا قبيح في العقول وهو لازم لكم على عبادتكم الأوثان { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } أي لا تكسب كل نفس جزاء كل عمل من طاعة أو معصية إلا عليها فعليها عقاب معصيتها ولها ثواب طاعتها ووجه اتصاله بما قبله أنه لا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه من ذلك لأنه ليس بعذر لي في اكتساب الإثم غيري له لأنه. { لا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا يحمل أحد ذنب غيره ومعناه ولا يجازى أحد بذنب غيره وقال الزجاج: معناه لا تؤخذ نفس غير آثمة بإثم أخرى. وقيل: أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم اتّبعنا وعلينا وزرك إن كان خطأ فأنزل الله هذا وفيه دلالة على فساد قول المجبرة إن الله تعالى يعذَّب الطفل بكفر أبيه. { ثم إلى ربكم مرجعكم } أي مآلكم ومصيركم { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } أي يخبركم بالحق فيما اختلفتم فيه فيظهر المحسن من المسىء. { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } أخبر سبحانه أنه الذي جعل الخلق خلائف الأرض ومعناه أن أهل كل عصر يخلف أهل العصر الذي قبله كلما مضى قرن خلفهم قرن يجري ذلك على انتظام واتساق حتى تقوم الساعة على العصر الأخير فلا يخلفه عصر وهذا لا يكون إلا من عالم مدّبر عن الحسن والسدي وجماعة.

السابقالتالي
2