الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }

القراءة: قرأ ابن عامر وأهل الكوفة قيْماً مكسورة القاف خفيفة الياء والباقون قَيِّماً مفتوحة القاف مشددة الياء وقرأ أهل المدينة مَحْياي ساكنة الياء ومماتيَ بفتحها والباقون محيايَ بفتح الياء ومماتي ساكنة الياء. الحجة: من قرأ قَيِّماً فالقيم هو المستقيم فيكون وصفاً للدين كما أن التقدير في قولـه دين القيِّمة دين الملة القيمة لأَن الملة هي مثل الدين ومن قرْأ قِيَماً فإنه مصدر كالصغر والكبر إلا أنه لم يصحح كما صحح حِوَل وعِوَض وكان القياس ولكنه شذ كما شذ نحو ثِيَرة في جمع ثور وجياد في جمع جواد وكان القياس الواو وقال الزجاج: إنما اعتلّ قيم لأَنه من قام فلما اعتل قام اعتلّ قيم لأَنه جرى عليه وأما حِوَل فإنه جارٍ على غير فعل وأما إسكان الياء في محياي فإنه شاذ عن القياس والاستعمال فإن الساكنين لا يلتقيان على هذا الحد وإذا كان ما قبلها متحر نحو ومماتي فالفتح جائز والإِسكان جائز. قال أبو علي: والوجه في محياي بسكون الياء مع شذوذه ما حكى عن بعض البغداديين أنه سمع التقت حلقتا البطان بإسكان الألف مع سكون لام المعرفة مثل هذا جوَّزه يونس في قولـه أضربانّ زيد وأضربنانّ زيداً وسيبويه ينكر هذا من قول يونس وقال علي بن عيسى: ولو وصله على نية الوقف جاز كمافبهداهم اقتده } [الأنعام: 90] فإنما تزاد هذه الهاء في الوقف كما تسكن تلك الياء في الوقف. اللغة: الملة الشريعة مأخوذة من الإِملاء كأنه ما يأتي به الشرع ويورده الرسول من الشرائع المتجددة فيُمّله على أمته ليكتب أو يحفظ فأما التوحيد والعدل فواجبان بالفعل ولا يكون فيهما اختلاف والشرائع تختلف ولهذا يجوز أن يقال ديني دين الملائكة ولا يقال ملتي ملة الملائكة فكل ملة دين وليس كل دين ملة والنسك العبادة ورجل ناسك ومنه النسيكة الذبيحة والمنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك قال الزجاج: فالنسك كل ما تقرب به إلى الله تعالى إلا أن الغالب عليه أمر الذبح وقول الناس فلان ناسك ليس يراد به ذبح إنما يراد به أنه يؤدّي المناسك أي يؤدي ما افترض عليه مما يتقرب به إلى الله. الإِعراب: ديناً قال أبو علي: يحتمل نصبه ثلاثة أضرب أحدها: أنه لما قال هداني ربي إلى صراط مستقيم استغنى بجري ذكر الفعل عن ذكره ثانياً فقال ديناً قيماً كما قالاهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 3] وإن شئت نصبته على أعرفوا لأَن هدايتهم إليه تعريف لهم فحمله على أعرفوا ديناً قيماً وإن شئت حملته على الإِتباع كأنه قال اتبعوا ديناً قيماً وألزموه كما قالاتبعوا ما أنزل إليكم } [الأعراف: 3] قال الزجاج: ملة إبراهيم بدل من ديناً قيماً وحنيفاً منصوب على الحال من إبراهيم والمعنى هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفة.

السابقالتالي
2