الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } * { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

القراءة: قرأ حفص وروح ويوم يحشرهم بالياء والباقون بالنون. الحجة: من قرأ بالياء فلقولـه عند ربهم والنون كالياء في المعنى ويقوي النون قولـه:ونحشره يوم القيامة أعمى } [طه: 124]. الإعراب: قال الزجاج: خالدين فيها منصوب على الحال والمعنى النار مقامكم في حال خلود دائم قال أبو علي: المثوى عندي في الآية اسم للمصدر دون المكان لحصول الحال في الكلام معملاً فيها ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون موضعاً أو مصدراً فلا يجوز أن يكون موضعاً لأن اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل لأنه لا معنى للفعل فيه وإذا لم يكن موضعاً ثبت أنه مصدر والمعنى النار ذات أقامتكم فيها خالدين أي أهل أن تقيموا أو تثووا خالدين فيها فالكاف والميم في المعنى فاعلون وإن كان في اللفظ خفض بالإضافة. المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال: { ويوم يحشرهم جميعاً } أي يجمعهم يريد جميع الخلق. وقيل: الإنس والجن لأنه يتعقبه حديثهم. وقيل: يريد الكفار وانتصب اليوم بالقول المضمر لأن المعنى ويوم يحشرهم جميعاً يقول: { يا معشر الجن } أي يا جماعة الجن { قد استكثرتم من الإنس } أي قد استكثرتم ممن أضللتموه من الإنس عن الزجاج وهو مأخوذ من قول ابن عباس معناه من إغواء الإنس وإضلالهم { وقال أولياؤهم } أي متّبعوهم { من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } أي انتفع بعضنا ببعض وقد قيل فيه أقوال: أحدها: أن استمتاع الجن بالإنس أن اتخذهم الإنس قادة ورؤساء فاتبعوا أهواءهم واستمتاع الإنس بالجن انتفاعهم في الدنيا بما زَيَّن لهم الجن من اللذات ودعوهم إليه من الشهوات. وثانيها: أن استمتاع الإنس بالجن أن الرجل كان إذا سافر وخاف الجن في سلوك طريق قال أعوذ بسيد هذا الوادي ثم يسلك فلا يخاف وكانوا يرون ذلك استجارة بالجن وإن الجن تجيرهم كما قال الله تعالىوأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } [الجن: 6] واستمتاع الجن بالإنس أن الجن إذا اعتقدوا أن الإنس يتعوذون بهم ويعتقدون أنهم ينفعونهم ويضرونهم كان في ذلك لهم سرور ونفع عن الحسن وابن جريج والزجاج وغيرهم. وثالثها: أن المراد بالاستمتاع طاعة بعضهم لبعض وموافقة بعضهم بعضاً عن محمد بن كعب قال البلخي: ويحتمل أن يكون الاستمتاع مقصوراً عن الإنس فيكون الإنس استمتع بعضهم ببعض دون الجن. وقولـه: { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } يعني بالأجل الموت عن الحسن والسدي. وقيل: البعث والحشر لأن الحشر أجل الجزاء كما أن الموت أجل استدراك ما مضى قال الجبائي: وفي هذا دلالة على أنه لا أجل إلا واحد لأنه لو كان أجلان لكان الرجل إذا اقتطع دون الموت بأن يقتل لم يكن بلغ أجله والآية تتضمن أنهم أجمع قالوا بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا وقال علي بن عيسى: وغيره من البغداديين لا دلالة في الآية على ذلك بل لا يمتنع أن يكون للإنسان أجلان أحدهما: ما يقع فيه الموت والآخر: ما يقع فيه الحشر أو ما كان يجوز أن يعيش إليه.

السابقالتالي
2