الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير ضيقاً بتخفيف الياء وسكونها ها هنا وفي الفرقان والباقون بتشديدها وكسرها وقرأ أهل المدينة وأبو بكر وسهل حرجاً بكسر الراء والباقون بفتحها وقرأ ابن كثير يصعد بتخفيف الصاد والعين وسكون الصاد وقرأ أبو بكر يصّاعد بتشديد الصاد وألف بعدها وتخفيف العين والباقون يصَّعد بتشديد الصاد والعين وفتح الصاد. الحجة: الضيْق والضيّق بمعنى مثل المَيْت والميّت ومن فتح الراء من حرج فقد وصف بالمصدر كما قيل في قَمَن ودنَفَ ونحوهما من المصادر التي يوصف بها ومن كسر الراء من حرج فهو مثل دنِف وقمِن وقراءة ابن كثير يَصْعد من الصعود ومن قرأ يصعَّد أراد بتصعد فأدغم ومعنى يتصعد أنه يثقل الإسلام عليه فكأنه يتكلف ما يثقل عليه شيئاً بعد شيء كقولـهم يتعفَّف ويتحرَّج ونحو ذلك مما يتعاطى فيه الفعل شيئاً بعد شيء ويصَّاعد مثل يصعد في المعنى فهو مثل ضاعف وضعَّف وناعم ونعَّم وهما من المشقة وصعوبة الشيء ومن ذلك قولـه:يسلكه عذاباً صعداً } [الجن: 17] وقولـه:سأرهقه صعوداً } [المدثر: 17] أي سأغشيه عذاباً صعوداً وعقبة صعود أي شاقة ومن ذلك قول عمر بن الخطاب ما تصعَّد في شيء كما تصعَّد في خطبة النكاح أي ما شقَّ عليَّ شيء مشقَّتها. اللغة: الحرج والحرج أضيق الضيق قال أبو زيد: حرج عليه السَحَر يحرج حرجاً إذ أصبح قبل أن يتسحر وحرم عليه حرماً وهما بمعنى واحد وحرجتْ على المرأة الصلاة وحرمت بمعنى واحد وحرج فلان إذا هاب أن يتقدم على الأمر وقاتل فصبر وهو كاره وقد ذكرنا معاني الهداية والهدى والضلال والإضلال في سورة البقرة وما يجوز إسناده إلى الله تعالى من كلا الأمرين وما لا يجوز عند قولـه:وما يضل به إلا الفاسقين } [البقرة: 26]. المعنى: لمّا تقدّم ذكر المؤمنين والكافرين بيَّن عقبه ما يفعله سبحانه بكل من القبيلتين فقال: { فمن يرد الله أن يهديه } قد ذكر في تأويل الآية وجوه: أحدها: أن معناه: { فمن يرد الله أن يهديه } إلى الثواب وطريق الجنة: { يشرح صدره } في الدنيا { للإسلام } بأن يثبت عزمه عليه ويقوّي دواعيه على التمسك به ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان وما يعرض في القلوب من الخواطر الفاسدة وإنما يفعل ذلك لطفاً له ومنّاً عليه وثواباً على أهتدائه بهدى الله وقبوله إياه ونظيره قولـه سبحانه:والذين اهتدوا زادهم هدى } [محمد: 17]ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } [مريم: 76]. { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } يعني ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقاً حرجاً عقوبة له على ترك الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعاً له عن الإيمان وسالباً إياه القدرة عليه بل ربما يكون ذلك سبباً داعياً له إلى الإيمان فإن من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعياً له إلى تركه والدليل على أنّ شرح الصدر قد يكون ثواباً قولـه سبحانه:

السابقالتالي
2 3