الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير وحفص رسالته على التوحيد ونصب التاء والباقون رسالاته على الجمع. الحجة: مَن وَحَّد فلأن الرسالة تدل على القلة والكثرة لكونها مصدراً ومن جمع فلما تكرر من رسالات الله سبحانه مرة بعد أخرى. اللغة: الإجرام الإقدام على القبيح بالانقطاع إليه لأن أصل الجرم القطع فكأنه قطع ما يجب أن يوصل من العمل ومنه قيل للذنب الجرم والجريمة والصغار الذل الذي يصغر إلى المرء نفسه يقال صَغُر الإنسانُ يصغُر صَغاراً وصُغرا. الإعراب: الله أعلم حيث يجعل رسالاته لا يخلو حيث هنا من أن يكون ظرفاً متضمناً لحرفه أو غير ظرف فإن كان ظرفاً فلا يجوز أن يعمل فيه أعلم لأنه يصير المعنى أعلم في هذا الموضع أو في هذا الوقت ولا يوصف تعالى بأنه أعلم في مواضع أو في أوقات كما يقال زيد أعلم في مكان كذا أو أعلم في زمان كذا وإذا كان الأمر كذلك لم يجز أن يكون حيث هنا ظرفاً وإذا لم يكن ظرفاً كان اسماً وكان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع ويقوي ذلك دخول الجار عليها فكان الأصل الله أعلم بمواضع رسالاته ثم حذف الجار كما قال سبحانهأعلم بمن ضل عن سبيله } [النجم: 30] وفي موضع آخر أعلم من يضل عن سبيله فمن يضل معمول فعل مضمر دلّ عليه أعلم ولا يجوز أن يكون معمول أعلم لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام ونحوه إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى فتعلق كما تلغى ومثل ذلك في أنه لا يكون إلا محمولاً على فعل قولـه:
وأَضْرَبُ مِنّا بالسيوف القوانسا   
فالقوانس منصوب بفعل مضمر دلّ عليه قولـه أضرب لأن المعاني لا تعمل في المفعول به ومما جعل حيث فيه اسماً متمكناً غير ظرف متضمن لمعنى في قول الشاعر:
كأنَّ مِنْها حَيْثُ تَلْوِي الْمِنْطَقــا   حِقْفا نقا ما لا عَلى حِقْفَيْ نَقا
ألا ترى أن حيث هنا في موضع نصب بكأنّ وحقفا نقا مرفوع بأنه خبره وقال القاضي أبو سعيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه: إن من العرب من يضيف حيث إلى المفرد فيجر ما بعدها وأنشد ابن الأعرابي بيتاً آخره:
حيث لَيِّ العمايم   
وأنشد أيضاً أبو سعيد وأبو علي في إخراج حيث من حد الظرافية بالإضافة إليها إلى حد الأسماء المحضة قول الشاعر يصف شيخاً يقتل القمل:
يَهِزُّ الْهَرانِعَ عَقْدُهُ عِنْدَ الخِصى   بِأَذَلَّ حَيْثُ يكُونُ مَنْ يَتَذلّلُ
ومن ذلك قول الفرزدق:
فَمِحْنَ بِهِ عَذْباً رُضاباً غُرُوبُهُ   رِقاقٌ وَأَعْلَى حَيْثُ رُكِّبْنَ أَعْجَفُ
وقولـه: { صغار عند الله } قال الزجاج: عند متصلة بسيصيب أي سيصيبهم عند الله صغار وجاز أن يكون عند متصلة بصغار فيكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت لهم عند الله ولا يصلح أن يكون من محذوفة من عند إنما المحذوف من عند في إذا قلت زيد عند عمرو فالمعنى زيد في حضرة عمرو وقال أبو علي: إذا قلت إن عند معمول لصغار لم تحتج إلى تقدير محذوف في الكلام لكن نفس المصدر يتناوله ويعمل فيه ويكون التقدير أن يصغروا عند الله فلا وجه لتقدير ثابت في الكلام فإن قدرت صغاراً موصوفاً بعند لم يكن عند معمولاً لصغار ولكن يكون متعلقاً بمحذوف فلا بدَّ على هذا من تقدير ثابت ونحوه مما يكون في الأصل صفة ثم حذف وأقيم الظرف مقامه للدلالة عليه وهذا كقولك وأنت تريد الصفة هذا رجل عندك فالمعنى ثابت عندك أو مستقر عندك وكلا الوجهين جائز.

السابقالتالي
2