الإعراب: قال الأخفش الذين خسروا أنفسهم بدل من الكاف والميم في ليجمعنكم وقال الزجاج هو في موضع رفع على الابتداء وخبره فهم لا يؤمنون لأن ليجمعنكم مشتمل على سائر الخلق الذين خسروا أنفسهم وغيرهم قال واللام في ليجمعنكم لام قسم فجائز أن يكون تمام الكلام كتب ربكم على نفسه الرحمة، ثم استأنف فقال: ليجمعنكم والمعنى والله ليجمعنكم وجائز أن يكون ليجمعنكم بدلاً من الرحمة مفسراً لها لأنه لما قال كتب ربكم على نفسه الرحمة فسَّر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة ليتوبوا. المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيّه صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { سيروا في الأرض } أي سافروا فيها { ثم انظروا } والنظر طلب الإدراك بالبصر وبالفكر وبالاستدلال ومعناه هنا فانظروا بأبصاركم وتفكروا بقلوبكم { كيف كان عاقبة المكذبين } المستهزئين وإنما أمرهم بذلك لأن ديار المكذبين من الأمم السالفة كانت باقية وأخبارهم في الخسف والهلاك كانت شائعة فإذا سار هؤلاء في الأرض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم دعاهم ذلك إلى الإيمان وزجرهم عن الكفر والطغيان. ثم قال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { لمن ما في السماوات والأرض } الله الذي خلقهما أم الأصنام فإن أجابوك فقالوا الله وإلا { فقل } أنت { لله } أي ملكهما وخلقهما والتصرف فيهما كيف يشاء له { كتب على نفسه الرحمة } أي أوجب على نفسه الإنعام على خلقه. وقيل: معناه أوجب على نفسه الثواب لمن أطاعه. وقيل: أوجب على نفسه الرحمة بأنظاره عباده وإمهاله إياهم ليتداركوا ما فرطوا فيه ويتوبوا عن معاصيهم. وقيل: أوجب على نفسه الرحمة لأمة محمد بأن لا يعذّبهم عند التكذيب كما عذب من قبلهم من الأمم الماضية والقرون الخالية عند التكذيب بل يؤخرهم إلى يوم القيامة عن الكلبي. { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } أي ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة فيكون تفسيراً للرحمة على ما ذكرناه إن المراد به إمهال العاصي ليتوب. وقيل: إن هذا احتجاج على من أنكر البعث والنشور ويقول ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه كما تقول جمعت هؤلاء أي ضممت بينهم في الجمع يريد بجمع آخركم إلى أولكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة وهو الذي { لا ريب فيه }. وقيل: معناه ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به عن الأخفش ويسأل عن هذا فيقال كيف يحذر المشركين بالبعث وهم لا يصدقون به والجواب أنه جار مجرى الإلزام وأيضاً فإنه تعالى إنما ذكر ذلك عقيب الدليل، ويقال كيف نفى الريب مطلقاً فقال لا ريب فيه والكافر مرتاب فيه والجواب أنّ الحق حق وإن ارتاب فيه المبطل، وأيضاً فإن الدلائل تزيل الشك والريب فإن نعم الدنيا تعمُّ المحسن والمسىء فلا بدَّ من دار يتميز فيه المحسن من المسىء وأيضاً فقد صَحَّ أن التكليف تعريف للثواب وإذا لم يمكن إيصال الثواب في الدنيا لأن مِن شأنه أن يكون صافياً من الشوائب فلا يكون مقترناً بالتكليف لأن التكليف لا يعرى من المشقة فلا بدَّ من دار أخرى وأيضاً فإن التمكين من الظلم من غير انتصاف في العاجل وانزال الأمراض من غير استحقاق ولا ايفاء عوض في العاجل توجب قضية العقل في ذلك أن يكون دار أخرى توفي فيها الأعواض وينتصف من المظلوم للظالم.