الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

القراءة: في الشواذ عن الحسن ولتصغي إليه وليرضوه وليقترفوا بسكون اللام في الجميع والقراءة الظاهرة بكسر اللام في سائرها. الحجة: قال أبو الفتح: هذه اللام هي الجارة أعني لام كي وهي معطوفة على الغرور من قولـه { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } أي للغرور ولأَن تصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا إلاّ أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس لأَن هذا الإِسكان إنما كثر عنهم في لام الأَمر نحو قولـه تعالىثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا } [الحج: 29] وإنما أسكنت تخفيفاً لثقل الكسرة فيها وفرّقوا بينها وبين لام كي بأن لم يسكنوها وكأنهم إنما اختاروا السكون للام الأَمر والتحريك للام كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأَمر عن أن وهي أيضاً في جواب كان سيفعل إذا قلت ما كان ليفعل محذوفة مع اللام البتة فلما نابت عنها قوّوها بإقرار حركتها فيها لأَن الحرف المتحرك أقوى من الساكن والأَقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأَضعف. اللغة: الزخرف زخرفة المزّين يقال زخرفه إذا زيّنه والزخرف كمال حسن الشيء وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي قيل كانت نقوش وتصاوير زينت الكعبة بها. وقيل: أراد بالزخرف الذهب والغرور ما له ظاهر تحبّه وفيه باطن مكروه والشيطان غرور لأَنه يحمل على محاب النفس ووراءه سوء العاقبة وبيع الغرر ما لا يكون على ثقة وصغوت إليه اصغي صَغْواً وصُغْواً وصُغُوّاً وصغيت أصغي بالياء أيضاً وأصغيت إليه إصغاء بمعنى قال الشاعر:
تَرى السَّفِيهَ بِهِ عن كُلِّ مُحْكَمَةٍ   زَيْغٌ وفِيهِ إلى التَّشْبِيهِ إصْغاءُ
ويقال أصغيت الإِناء إذا أملته ليجتمع ما فيه ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي الإِناء للهِرّ والأَصل فيه الميل إلى الشيء لغرض من الأَغراضِ والاقتراف اكتساب الإِثم ويقال خرج يقترف لأَهله أي يكتسب لهم وقارف فلان هذا الأَمر إذا واقعه وعمله وقرف الذنب واقترفه عمله وقرفه بما ادعاه عليه أي رماه بالريبة وقرف القرحة أي قشر منها واقترف كذباً. الإِعراب: نصب عَدُوّاً على أحد وجهين إما أن يكون مفعول جعلنا وشياطين بدل منه ومفسر له وعدواً في معنى أعداء وإما أن يكون أصله خبراً ويكون هنا مفعولاً ثانياً لجعلنا على تقدير جعلنا شياطين الإِنس والجن عدواً أي أعداء وقولـه غروراً نصب على المصدر من الفعل المتقدم لأَن معنى إيحاء الزخرف من القول معنى الغرور فكأنه قال يغرون غروراً عن الزجاج. وقيل: إنه مفعول له عن ابن جني. وقيل: نصب على البدل من زخرف عن أبي مسلم. المعنى: ثُمَّ بينَّ ما كان عليه حال الأَنبياء ع مع أعدائهم تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإِنس والجن } أي وكما جعلنا لك شياطين الإِنس والجن أعداء كذلك جعلنا لمن تقدمك من الأَنبياء وأممهم.

السابقالتالي
2 3