الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصم ونصير عن الكسائي وخلف أنها بكسر الألف وقرأ الباقون أنها بفتح الأَلف وقرأ ابن عامر وحمزة لا تؤمنون بالتاء والباقون لا يؤمنون بالياء وفي الشواذ ويذرهم بالياء والجزم قراءة الأَعمش. الحجة: قال أبو علي: وما يشعركم ما فيه استفهام وفاعل يشعركم ضمير ما ولا يجوز أن يكون نفياً لأَن الفعل فيه يبقى بلا فاعل فإن قلت يكون ما نفياً ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى قيل ذلك لا يصحُّ لأَن التقدير يصير وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم وهذا لا يستقيم لأَن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقولـه { ولو أننا نزلنا } الآية وإذا فسد أن يكون ما للنفي ثبت أنها للاستفهام فيكون اسماً فيصير في الفعل ضميره ويكون المعنى وما يدريكم إيمانهم إذا جاءت فحذف المفعول وحذف المفعول كثير. ثم قال أنهم لا يؤمنون مع مجيء الآية فمن كسر الهمزة فإنه استأنف على القطع بأنهم لا يؤمنون ومن فتح الهمزة جاز أن يكون يشعركم منقولاً من شعرت الشيء وشعرت به مثل دريته ودريت به في أنه يتعدى مرة بحرف ومرة بلا حرف فإذا عدَّيته بالحرف جاز أن يكون أنَّ في قول من لم يجعلها بمعنى لعلَّ في موضع جرِّ لأَن الكلام لما طال صار كالبدل منه وجاز أن يكون في موضع نصب والوجه في هذه القراءة على تأويلين أحدهما: أن يكون بمعنى لعلَّ كقول الشاعر وهو دريد بن الصمة:
ذَريني أُطَوّفْ في البِلادِ لأَنَّني   أَرى ما تَرَيْنَ أَوْ بَخيلاً مُخَلَّدَا
وقال:
هَلْ أَنْتُمْ عائِجُونَ بِنا لأَنَّـــا   نَرَى الْعَرَصاتِ أَوْ أَثَرَ الْخِيامِ
وقال عدي بن زيد:
أَعـاذِلُ مــا يُدْرِيــكَ أَنَّ مَنِيَّتـي   إلى ساعَةٍ فيِ الْيَوْمِ أَوْ فيِ ضُحَى الْغَدِ
أي لعلَّ منيتي المعنى وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهذا ما فسرَّه الخليل بقولـه أئت السوق أنَّك تشتري لنا شيئاً أي لعلك وقد جاء في التنزيل لعلَّ بعد العلم قال سبحانهوما يدريك لعلَّه يزكَّى } [عبس: 3]وما يدريك لعلَّ الساعة قريب } [الشورى: 17] والتأويل الآخر الذي لم يذهب إليه الخليل وسيبويه أن يكون لا في قولـه لا يؤمنون زائدة والتقدير وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون ومثل لا هذه في كونها في تأويل زائدة وفي آخر غير زائدة قول الشاعر:
أَبي جُودُهُ لاَ البُخْلِ واسْتَعْجَلَتْ بِهِ   نَعَمْ مِنْ فَتىً لاَ يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَه
يريد لا يمنع الجائع الخُبْز وينشد أبى جُوده لا البخلَ ولا البخلِ فمن نصب البخل جعلها زائدة كأنه قال أبي جوده: ومن قال لا البخلِ أضاف لا إلى البخل ووجه القراءة بالياء في يؤمنون أن المراد بهم قوم مخصوصون بدلالة قولـه { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية وليس كل الكفار بهذه الصفة أي لا يؤمن هؤلاء المقسمون ووجه القراءة بالتاء أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب والمراد بالمخاطبين هم الغيب المقسمون الذين أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون ومن قرأ ويذرهم فإنه أسكن المرفوع تخفيفاً.

السابقالتالي
2 3