الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

القراءة: قرأ أهل المدينة وخَرَّقوا بالتشديد والباقون وخرقوا بالتخفيف. الحجة: قال أحمد بن يحيى: خرق واخترق بمعنى وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ لأَنها أكثر والمعنى في القراءتين كذبوا وقد روي في الشواذ عن ابن عباس وحرفوا بالحاء والفاء وهذا شاهد يكذبهم أيضاً ومثلهيحرفون الكلم عن مواضعه } [النساء: 46] و [المائدة: 13]. اللغة: البديع بمعنى المبدع والفرق بين الإِبداع والاختراع أن الإِبداع فعل ما لم يسبق إلى مثله والاختراع فعل ما لم يوجد سبب له ولذلك يقال البدعة لما خالف السنة لأَنه أحداث ما لم يسبق إليه ولا يقدر أحد على الاختراع غير الله تعالى لأَن حدّه ما ابتدىء في غير محل القدرة عليه والقادر بقدرة إما أن يفعل مباشراً وهو ما ابتدى في محل القدرة أو متولداً وهو ما يوقع بحسب غيره ولا يقدر على الاختراع أصلاً. الإِعراب: انتصاب الجن من وجهين أحدهما: أن يكون مفعولاً أي جعلوا الجن لله شركاء ويكون شركاء مفعولاً ثانياً كما قالوجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } [الزخرف: 19] والآخر: أن يكون الجن بدلاً من شركاء ومفسّراً له سبحانه نصب على المصدر كأنه قال تسبيحاً له وبديع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو بديع السماوات ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره أنَّى يكون له ولد وإنما تعدى بديع وهو فعيل لأَنه معدول عن مُفعِل والصفة تعمل عمل ما عدلت عنه فإذا لم تكن معدولة لم تتعد نحو طويل وقصير. المعنى: ثم ردَّ سبحانه على المشركين وعجب من كفرهم مع هذه البراهين والحجج والبينات فقال { وجعلوا } يعني المشركين { لله شركاء الجن } أخبر الله سبحانه أنهم اتخذوا معه آلهة جعلوهم له أنداداً كما قالوجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [الصافات: 158] وأراد بالجن الملائكة وإنما سمّاهم جِنّاً لاستتارهم عن الأَعين وهذا كما قالجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } [الزخرف: 19] عن قتادة والسدي. وقيل: إن قريشاً كانوا يقولون إن الله تعالى قد صاهر الجن فحدث بينهما الملائكة فيكون على هذا القول المراد به الجن المعروف. وقيل: أراد بالجن الشياطين لأَنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان عن الحسن. { وخلقهم } الهاء والميم عائدة إليهم أي جعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون ويجوز أن يكون الهاء والميم عائدة على الجن فيكون المعنى والله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له ويجوز أن يكون المعنى وخلق الجن والإِنس جميعاً وروي أن يحيى بن يعمر قرأ وخَلْقهم بسكون اللام أي وخلق الجن يعني ما يخلقونه ويأفكون فيه ويكذبونه كأنه قال جعلوا الجن شركاءه وأفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عنى بذلك الأَصنام ونحوها. وقيل: إنّ المعنيّ بالآية المجوس إذ قالوا يزدان واهرمن وهو الشيطان عندهم فنسبوا خلق المؤذيات والشرور والأَشياء الضارة إلى أهرمن وجعلوه بذلك شريكاً له ومثلهم الثنوية القائلون بالنور والظلمة.

السابقالتالي
2