الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

القراءة: قرأ عاصم يظاهرون بضم الياء وتخفيف الظاء وقرأ أهل البصرة وابن كثير يَظّهّرون بتشديد الظاء والهاء وفتح الياء وقرأ الباقون يَظّاهرون بفتح الياء وتشديد الظاء وروي عن بعضهم ما هن أمهاتهم برفع التاء. الحجة: قال أبو علي: ظاهر من امرأته وظهر مثل ضاعف وضعف وتدخل التاء على كل واحد منهما فيصير تظاهر وتظهر ويدخل حرف المضارعة فيصير يتظاهر ويتظهر ثم تدغم الطاء في الظاء لمقاربتها لها فتصير يظاهر ويظهر بفتح الياء التي هي حرف المضارعة لأنها للمطاوعة كما تفتحها في يتدحرج الذي هو مطاوع دحرجته فتدحرج ووجه الرفع في قوله { ما هن أمهاتهم } أنه لغة بني تميم قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين وذلك أن النفي كالاستفهام فكما لا يغيّر الاستفهام الكلام عما كان عليه في الواجب ينبغي أن لا يغيره النفي عما كان عليه في الواجب ووجه النصب أنه لغة أهل الحجاز والأخذ بلغتهم في القرآن أولى وعليها جاء ما هذا بشراً. اللغة: الاشتكاء إظهار ما بالإنسان من مكروه والشكاية إظهار ما يصنعه به غيره من المكروه والتحاور التراجع وهي المحاورة يقال: حاوره محاورة أي راجعه الكلام وتحاورا قال عنترة:
لَوْ كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكى   وَلَكـــانَ لَــوْ عَلِـمَ الكَلامَ مُكَلِّمِي
والمحادّة المخالفة وأصله من الحد وهو المنع ومنه الحد الحاجز بين الشيئين قال النابغة:
إلاَّ سُلَيْمـــانَ إذْ قـالَ المَلِيكُ لَهُ   قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْها عَنِ الفَنَدِ
الكبت مصدر كبت الله العدو أي أذله وأخزاه. النزول: نزلت الآيات في امرأة من الأنصار ثم من الخزرج واسمها خولة بنت خويلد عن ابن عباس. وقيل: خولة بنت ثعلبة عن قتادة ومقاتل وزوجها أوس بن الصامت وذلك أنها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فلما انصرفت أرادها فأبت عليه فغضب عليها وكان امرءاً فيه سرعة ولمم فقال لها: أنت عليّ كظهر أمّي ثم ندم على ما قال وكان الظهار من طلاق أهل الجاهلية فقال لها: ما أظنكِ إلا وقد حرمتِ عليّ فقالت: لا تقل ذلك وأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله فقال: إني أجد أني أستحيي منه أن أسأله عن هذا قالت: فدعني أسأله فقال سليه. " فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شق رأسه فقالت: يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غانية ذات مال وأهل حتى إذا كلّ مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبرت سني ظاهر مني وقد ندم فهل من شيء يجمعني وإياه فتنعشني به فقال صلى الله عليه وسلم: " ما أراك إلا حرمت عليه " فقالت: يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً وأنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال صلى الله عليه وسلم: " ما أراك إلا حرمت عليه ولم أؤمر في شأنك بشيء " فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمت عليه " هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وحاجتي وشدة حالي اللهم فأنزل على لسان نبيك وكان هذا أول ظهار في الإسلام. فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداك يا نبي الله فقالت عائشة: أقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات فلما قضي الوحي قال: " ادعي زوجك " فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } إلى تمام الآيات. قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت اسمع بعض كلامها ويخفى عليّ بعضه إذ أنزل الله قد سمع فلما تلا عليه هذه الآيات قال له: " هل تستطيع أن تعتق رقبة " قال: إذاً يذهب مالي كله والرقبة غالية وإني قليل المال فقال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين " فقال: والله يا رسول الله إني إذا لم آكل ثلاث مرات كلَّ بصري وخشيت أن تغشى عيني قال: " فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً " قال: لا والله إلا أن تعينني على ذلك يا رسول الله فقال: " إني معينك بخمسة عشر صاعاً وأنا داع لك بالبركة " فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً فدعا له البركة فاجتمع لهما أمرهما ".

السابقالتالي
2 3 4