الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

اللغة: التقفية جعل الشيء في أثر شيء على الاستمرار فيه ولهذا قيل لمقاطع الشعر قوافٍ إذ كانت تتبع البيت على أثره مستمرة في غيره على منهاجه والرهبانية أصلها من الرهبة وهي الخوف إلا أنها عبادة مختصة بالنصارى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا رهبانية في الإسلام " والابتداع ابتداء أمر لم يحتذ فيه على مثال ومنه البدعة إذ هي إحداث أمر على خلاف السنة والكفل الحظ ومنه الكفل الذي يتكفل به الراكب وهو كساء أو نحوه يحويها على الإبل إذا أراد أن يرقد فيه فيحفظه من السقوط ففيه حظ من التحرز من الوقوع. الإِعراب: { ورهبانية } منصوب بفعل مضمر فسره قوله { ابتدعوها } التقدير وابتدعوا رهبانية ابتدعوها وقوله { ما كتبناها عليهم } في محل النصب لأنه صفة لرهبانية. { ابتغآء رضوان الله } نصب لأنه بدل من ها في كتبناها والتقدير كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله أي اتباع أوامره ولم نكتب عليهم الرهبانية ولا في لئلا يعلم زائدة وأن في أن لا يقدرون مخففة من الثقيلة واسمه محذوف وتقديره أنّهم لا يقدرون ولا هنا يدل على الإِضمار في أن مع تخفيف أن. المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم من ذكر الأنبياء بقصة إبراهيم ع ونوح ع فقال سبحانه { ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم } وإنما خصهما بالذكر لفضلهما ولأنهما أبوا الأنبياء { وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب } يعني أن الأنبياء كلهم من نسلهما وذريتهما وعليهم أنزل الكتاب. ثم أخبر عن حال ذريتهما فقال { فمنهم مهتدٍ } إلى طريق الحق { وكثير منهم فاسقون } أي خارجون عن طاعة الله إلى معصيته. { ثم قفينا على آثارهم برسلنا } أي ثم أتبعنا بالإِرسال على آثار من ذكرناهم من الأنبياء برسل آخرين إلى قوم آخرين وأنفذناهم رسولاً بعد رسول { وقفينا بعيسى ابن مريم } بعدهم فأرسلناه رسولاً { وآتيناه الإِنجيل } أي وأعطينا عيسى ابن مريم الإِنجيل { وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه } في دينه يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى { رأفة } وهي أشد الرقة { ورحمة } وإنما أضاف الرأفة والرحمة إلى نفسه لأنه سبحانه جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة بالأمر به والترغيب فيه ووعد الثواب عليه. وقيل: لأنه خلق في قلوبهم الرأفة والرحمة وإنما مدحهم على ذلك وإن كان من فعله لأنهم تعرضوا لهما. { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم } وهي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة إما في كنيسة أو انفراد عن الجماعة أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه والمعنى ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم. وقيل: إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء واتخاذ الصوامع عن قتادة قال: وتقديره ورهبانية ما كتبناها عليهم. { إلا } أنهم اتبعوها { ابتغآء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها }.

السابقالتالي
2 3 4