الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } * { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وهشام ما كذب بالتشديد والباقون بالتخفيف وقرأ أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب أفتمرونه بغير ألف والباقون أفتمارونه وقرأ ابن كثير والشموني عن الأعمش وأبي بكر ومنآئة بالمد والهمزة والباقون ومناة بغير همزة ولا مد وروي عن علي ع وأبي هريرة وأبي الدرداء وزر بن حبيش جنه المأوى بالهاء وعن ابن عباس ومجاهد واللات بتشديد التاء. الحجة: من قرأ كذب بتشديد الذال فمعناه ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بعينه تلك الليلة بل صدّقه وحققه ومن قرأ بالتخفيف فمعناه ما كذب فؤاده فيما رأى وقال أبو علي كذب فعل يتعدى إلى مفعول بدلالة قوله:
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِواسِطٍ   غَلَسَ الظَّلامِ مِنَ الرُّبابِ خَيالا
ومعنى كذبتك عينك أرتك ما لا حقيقة له فعلى هذا يكون المعنى لم يكذب فؤاده ما أدركه بصره أي كانت رؤيته صحيحة غير كاذبة وإدراكاً على الحقيقة ويشبه أن يكون الذي شدد أراد هذا المعنى وأكده. أفتمارونه على ما يرى أي أترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه وعلمه بمجادلتكم أو أتجحدونه ما قد علمه ولم يعترض عليه فيه شك فإن معنى قوله أفتمارونه أتجادلونه جدالاً تريدون به دفعه عما علمه وشاهده من الآيات الكبرى ومن قرأ أفتمرونه فمعناه أفتجحدونه ومناة صنم من حجارة واللات والعزى كانتا من حجارة أيضاً ولعل منائه بالمد لغة ومن قرأ جنة المأوى يعني فعله يريد جن عليه فأجنه الله والمأوى وهو الفاعل والمعنى ستره وقال الأخفش أدركه وعن ابن عباس قال كان رجل بسوق عكاظ يلتّ السويق والسمن عند صخرة فإذا باع السويق والسمن صب على الصخرة ثم يلتّ فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاماً لذلك الرجل. المعنى: ثم بين سبحانه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وحقق رؤيته { ما كذب الفؤاد ما رأى } أي لم يكذب فؤاد محمد ما رآه بعينه فقوله ما رأى مصدر في موضع نصب لأنه مفعول كذب والمعنى أنه ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير بل صدقه الفؤاد رؤيته قال المبرد معنى الآية أنه رأى شيئاً فصدق فيه قال ابن عباس رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بفؤاده وروي ذلك عن محمد ابن الحنفية عن أبيه علي ع وهذا يكون بمعنى العلم أي علمه علماً يقيناً بما رآه من الآيات الباهرات كقول إبراهيم عولكن ليطمئن قلبي } [البقرة: 260] وإن كان عالماً قبل ذلك. وقيل: إن الذي رآه هو جبرائيل على صورته التي خلقه الله عليها عن ابن عباس وابن مسعود وعائشة وقتادة. وقيل: إن الذي رآه هو ما رآه من ملكوت الله تعالى وأجناس مقدوراته عن الحسن قال وعرج بروح محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء وجسده في الأرض وقال الأكثرون وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم أن الله تعالى صعد بجسمه إلى السماء حياً سليماً حتى رأى ما رأى من ملكوت السماوات بعينه ولم يكن ذلك في المنام.

السابقالتالي
2 3 4