الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ }

اللغة: الخمر عصير العنب المشتد وهو العصير الذي يسكر كثيره وسمي خمراً لأنها بالسكر تغطّي على العقل وأصله في الباب التغطية من قولـهم خمرت الإناء إذا غطّيته ودخل في خمار الناس إذا خفي فيما بينهم والميسر القمار كله من تيسير أمر الجزور بالاجتماع على القمار فيه وأصله من اليسر خلاف العسر وسميت اليد اليسرى تفاؤلاً بتيسير العمل بها. وقيل: لأنها تعين اليد اليمنى فيكون العمل أيسر والأنصاب الأصنام واحدها نصب وسمي ذلك لأنها كانت تنصب للعبادة لها والانتصاب القيام ومنه النصب التعب عن العمل الذي ينتصب له ونصاب السكين لأنه ينصب فيه ومناصبة العدو الانتصاب لعداوته قال الأعشى:
وَذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ   وَلا تَعْبُـــدِ الشَّيْطانَ وَاللهَ فَاعْبُـــدا
والأزلام القداح وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار وقد ذكرنا ما قيل فيها في أول السورة والرجز بالزاي هو العذاب وأصل الرجز تتابع الحركات. يقال ناقة رجزاء إذا كانت ترتعد قوائمها في ناحية. قال الزجاج: الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل. يقال: رَجُس يَرْجس ورَجِس يَرْجَس إذا عمل عملاً قبيحاً والرّجس بفتح الراء شدة الصوت. يقال: رعد رجّاس شديد الصوت فكان الرجس الذي يقبح ذكره ويرتفع في القبح. المعنى: ثم عطف الله تعالى على ما بَيَّن من الأحكام بالنهي عن أفعال أهل الجاهلية والنقل عنها إلى شريعة الإسلام. فقال: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } مرَّ معناهما في سورة البقرة. قال ابن عباس: يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخمر من تسع من البِتَع وهو العسل ومن العنب ومن الزبيب ومن التمر ومن الحنطة ومن الذرة ومن الشعير والسلت " وقال في الميسر: يريد القمار وهو في أشياء كثيرة انتهى كلامه { والأنصاب والأزلام } ذكرناهما في أول السورة { رجس من عمل الشيطان } لا بدّ من أن يكون في الكلام حذف والمعنى شرب الخمر وتناوله أو التصرف فيه وعبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام رجس أي خبيث من عمل الشيطان وإنما نسبها إلى الشيطان وهي أجسام من فعل الله لما يأمر به الشيطان فيها من الفساد فيأمر بشرب المسكر ليزيل العقل ويأمر بالقمار ليستعمل فيه الأخلاق الدنية ويأمر بعبادة الأصنام لما فيها من الشرك بالله ويأمر بالأزلام لما فيها من ضعف الرأي والاتكال على الاتفاق. وقال الباقر ع: يدخل في الميسر اللعب بالشطرنج والنرد وغير ذلك من أنواع القمار. حتى إن لعب الصبيان بالجوز من القمار { فاجتنبوه } أي كونوا على جانب منه أي في ناحية { لعلكم تفلحون } معناه لكي تفوزوا بالثواب وفي هذه الآية دلالة على تحريم الخمر وهذه الأشياء من أربعة أوجه أحدها: أنه سبحانه وصفها بالرجس وهو النجس والنجس محرم بلا خلاف والثاني: أنه نسبها إلى عمل الشيطان وذلك يوجب تحريمها والثالث: أنه أمر باجتنابها والأمر يقتضي الإيجاب والرابع: أنه جعل الفوز والفرح في اجتنابها والهاء في قولـه: { فاجتنبوه } راجعة إلى عمل الشيطان تقديره فاجتنبوا عمل الشيطان وكل واحد من شرب الخمر وتعاطي القمار واتخاذ الأنصاب والأزلام من عمل الشيطان ويجوز أن تكون الهاء عائدة إلى الرجس والرجس واقع على الخمر وما ذكره بعدها وقد قرن الله تعالى الخمر بعبادة الأوثان تغليظاً في تحريمها.

السابقالتالي
2