الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

النزول والقصة: قال المفسرون: جلس رسول الله يوماً فذكر الناس ووصف القيامة فرقّ الناس وبكوا واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم علي وأبو بكر وعبد الله بن مسعود وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر والمقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ولا يقربوا النساء والطيب ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض وهمَّ بعضهم أن يجُبَّ مذاكيره فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان فلم يصادفه. فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية واسمها حولاء وكانت عطارة: " أحقُّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه " فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها فقالت يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدَّقك فانصرف رسول الله. فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه. فقال لهم رسول الله: " ألم أنبئكم أنكم اتفقتم على كذا وكذا " قالوا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أردنا إلا الخير. فقال رسول الله: " إني لم أومر بذلك " ثم قال: " إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني " ثم جمع الناس وخطبهم وقال: " ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع وأن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع " فأنزل الله الآية وروي عن أبي عبد الله ع. أنه قال: نزلت في علي وبلال وعثمان بن مظعون فأما علي ع فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبداً إلا ما شاء الله وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبداً. المعنى: لمّا تقدم ذكر الرهبان وكانوا قد حرَّموا على أنفسهم الطيّبات نهى الله المؤمنين عن ذلك. فقال: { يا أيها الذين آمنوا } أي يا أيها المؤمنون { لا تحرموا طيبات ما أحلَّ الله لكم } وهو يحتمل وجوهاً منها أن يريد لا تعتقدوا تحريمها ومنها أن يريد لا تُظهروا تحريمها ومنها أن يريد لا تحرموها على غيركم بالفتوى والحكم ومنها أن يريد لا تجروها مجرى المحرمات في شدة الاجتناب ومنها أن يريد لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين فوجب حمل الآية على جميع هذه الوجوه والطيبات اللذيذات التي تشتهيها النفوس وتميل إليها القلوب.

السابقالتالي
2