الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ }

اللغة: قال الزجاج: القسيس والقَسّ من رؤساء النصارى فأما القِسُّ في اللغة فهو النميمة ونشر الحديث. يقال قسَّ فلانٌ الحديثَ قساً. قال الفراء: ويجمع القسيس قَساوِسة جمعوه على مهالبة فكانت قساسِة فكسرت السينان فأبدلوا إحداهن واواً والقسُوسة مصدر القسّ والقسيس وقد تكلمت العرب بهما وأنشد المازني:
لَوْ عَرَضَتْ لأَيْبُليّ قَسٍّ   أشْعَثَ في هَيْكَلِهِ مُنْدَسٍّ
حَنَّ إلَيْهَا كَحَنِينِ الطَسِّ   
وقال أمية:
لَوْ كانَ مُنْقَلَبٌ كانَتْ قَساوِسَةٌ   يُحْيِيـــهُمُ اللهُ فِي أيْدِيهِمُ الزُّبُرُ
والرهبان جمع راهب مثل راكب وركبان وفارس وفرسان والرهبانية مصدره والترهب التعبد في صومعة وأصله من الرهبة المخافة. وقال جرير:
رُهْبانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنَزَّلُـــوا   وَالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ الجِبالِ الفادِرِ
وقال بعضهم الرهبان يكون واحداً وجمعاً فمن جعله واحداً جعله بناء على فعلان وأنشد:
لَوْ عَايَنَتْ رُهْبانُ دَيْر في القُلَلْ   لانْحَدَرَ الرُّهْبانُ يَمْشِي وَنَزَلْ
وفيض العين من الدمع امتلاؤها منه كفيض النهر من الماء وفيض الأناء وهو سيلانه من شدة امتلائه وفاض صدر فلان بسره وأفاض القوم من عرفات إلى منى إذا دفعوا وأفاضوا في الحديث إذا تدافعوا فيه والدمع الماء الجاري من العين ويشبه به الصافي فيقال كأنه دمعة والمدامع مجاري الدمع وشجة دامعة تسيل دماً والطمع تعلق النفس بما يقوى أن يكون من معنى المحبوب ونظيره الأمل والرجاء والطمع أن يكون معه الخوفُ أن لا يكون والصالح هو الذي يعمل الصلاح في نفسه فإن كان عمله في غيره فهو مصلح فلذلك يوصف الله تعالى بأنه مصلح ولم يوصف بأنه صالح. الإعراب: اللام في لتجدن لام القسم والنون دخلت ليفصل بين الحال والاستقبال هذا مذهب الخليل وسيبويه وعداوة منصوب على التمييز ويقولون ربنا في موضع نصب على الحال وتقديره قائلين ربنا ولا نؤمن في موضع نصب على الحال تقديره أيّ شيء لنا تاركين الإيمان أي في حال تركنا الإيمان ومن الحق معنى مِنْ تبيين الإضافة التي تقوم مقام الصفة. كأنه قيل: والجائي لنا الذي هو الحق. وقيل: إنها للتبعيض لأنهم آمنوا بالذي جاءهم على التفصيل. النزول والقصة: نزلت في النجاشي وأصحابه. قال المفسرون: ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذّبونهم فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب فلما رأى رسول الله ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة وقال: " إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يُظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله عز وجل للمسلمين فرجاً " وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو بالحبشية عطية وإنما النجاشي اسم الملك كقولـهم: تبع وكسرى وقيصر فخرج إليها سرّاً أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة وحاطب بن عمرو وسهل ابن البيضاء فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله وهذه هي الهجرة الأولى.

السابقالتالي
2 3