الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

اللغة: الصديقة المبالغة في الصدق والصِدّيق فِعّيل من أبنية المبالغة كما يقال: رجل سِكّيت أي مبالغ في السكوت. يقال أفكه يأفكه أفكاً إذا صرفه والافك الكذب لأنه صرف عن الحق وكل مصروف عن شيء مأفوك عنه قال ابن السِكّيت:
إنْ تَكُ عَنْ أحْسَنِ الْمُروءَةِ مَأْ   فُوكاً فَفِــي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا
وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر وأرض مأفوكة لم يصبها مطر والمؤتفكات المتقلبات من الرياح لأنها صرفت عن وجهها والملك القدرة على تصريف ما للقادر عليه أن يصرفه فملك الضرر والنفع أخصُّ من القدرة عليهما لأن القادر قد يقدر من ذلك على ما له أن يفعل وقد يقدر منه على ما ليس له أن يفعله والنفع هو فعل اللذة والسرور أو ما أدّى إليهما أو إلى أحدهما مثل الملاذّ التي تحصل في الحيوان والصلة بالمال والوعد باللذة فإن جميع ذلك نفع لأنه يؤدّي إلى اللذة، والضرر هو فعل الألم والغم أو ما يؤدي إليهما أو إلى واحد منهما كالآلام التي توجد في الحيوان وكالقذف والسبّ لأن جميع ذلك يؤدّي إلى الألم، والأهواء أجمع هوى النفس مقصور لأنه مثل فَعَل وفُعْل جمعه أفعال. الإعراب: انتصاب غير الحق على وجهين: أحدهما: أن يكون على الحال من دينكم فكأنه قال: لا تغلوا في دينكم مخالفين للحق والثاني: أن يكون منصوباً على الاستثناء بمعنى لا تغلوا في دينكم إلا الحق فيكون الحق مستثنى من النهي عن الغلو فيه بأن يجوز الغلو فيما هو حق على معنى اتباعه. المعنى: لَمّا قَدَّم سبحانه ذكر مقالات النصارى عقَّبه بالردّ عليهم والحجاج لهم فقال { ما المسيح ابن مريم إلا رسول } أي ليس هو بإله { قد خلت من قبله الرسل } أي كما أن الرسل الذين مضوا قبله ليسوا بآلهة وأن أتوا بالمعجزات الباهرات فكذلك المسيح فمن ادعى له الإلهية فهو كمن ادعى لهم الإلهية لتساويهم في المنزلة { وأمه صديقة } لأنها تصدق بآيات ربها ومنزلة ولدها وتصدقه فيما أخبرها به بدلالة قولـه:وصدقت بكلمات ربها } [التحريم: 12] عن الحسن والجبائي. وقيل: سميت صديقة لكثرة صدقها وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها { كانا يأكلان الطعام } قيل فيه قولان أحدهما: أنه احتجاج على النصارى بأن من ولده النساء ويأكل الطعام لا يكون إلهاً للعباد لأن سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر والمعنى أنهما كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الخلق فكيف يكون إلهاً من لا يقيمه إلا أكل الطعام وهذا معنى قول ابن عباس والثاني: أن ذلك كناية عن قضاء الحاجة لأن من أكل الطعام لا بدّ له من الحدث فلما ذكر الأكل صار كأنه أخبر عن عاقبته.

السابقالتالي
2