الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } * { وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي أن لا تكونُ بالرفع والباقون بالنصب ولم يختلفوا في رفع فتنة. الحجة: من قرأ ألاّ تكونُ فتنة بالرفع جعل أن مخففة من الثقيلة وأضمر الهاء وجعل حسبوا بمعنى العلم وعلى هذا الوجه تثبت النون في الخط وأما النصب فعلى أنه جعل أن الناصبة للفعل ولم يجعل حسبوا بمعنى العلم وعلى هذا الوجه تسقط النون من الخط. اللغة: الهوى هو لطف محل الشيء من النفس مع الميل إليه بما لا ينبغي فلذلك غلب على الهوى صفة الذم. ويقال: هَوِيَ يَهْوَى هَوّى وهَوَى يَهْوى هُويّاً إذا إذا انحط من الهوّ وأهوى بيده إذا انحط بها ليأخذ شيئاً وهاوية جهنم لأنها يهوي فيها وهم يتهاوون في المهواة إذا سقط بعضهم على بعض والفرق بين الهوى والشهوة أن الشهوة تتعلق بالمدركات فيشتهي الانسان الطعام ولا يهوى الطعام والحسبان هو قوة أحد النقيضين في النفس على الآخر وأصله الحساب فالنقيض القوي يحتسب به دون الآخر أي هو مما يحتسب ولا يطرح ومنه الحسب لأنه مما يحتسب ولا يطرح لأجل الشرف ومنه قولـهم حسبك أي يكفيك لأنه بحساب الكفاية ومنه احتساب الأجر لأنه فيما يحتسب ولا يلغى والفتنة ههنا العقوبة وأصله الاختبار ومنه افتتن فلان بفلانة إذا هويها لأنه ظهر مايطوي من خبره بها وفتنت الذهب بالنار إذا خلصته ليظهر خبره في نفسه متميزاً من شائب غيره. الإعراب: اللام في لقد لام القسم ونصب فريقاً في الموضعين بأنه مفعول به قال أبو علي الفارسي: الأفعال على ثلاثة أضرب فعل يدل على ثبات الشيء واستقراره وذلك نحو العلم واليقين والتبيين وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات وفعل يجذب مرة إلى هذا القبيل ومرة إلى هذا القبيل فما كان معناه العلم وقع بعده أنّ الثقيلة ولم يقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل وذلك أن الثقيلة معناها ثبات الشيء واستقراره والعلم بأنه كذلك أيضاً وقع عليه واستعمل معه كان وفْقَهُ وأن الناصبة للفعل لا تقع على ما كان ثابتاً مستقراً فمن استعمال الثقيلة بعد العلم قولـهويعلمون أنَّ الله هو الحق المبين } [النور: 25]ألم يعلم بأنّ الله يرى } [العلق: 14] لأن الباء زائدة. وأما ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر فنحو أطمع وأخاف وارجو وأخشى ونحو ذلك ويستعمل بعده الخفيفة الناصبة للفعل قال تعالىوالذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } [الشعراء: 82] وتخافون أنْ يتخطفكم الناس } [الأنفال: 26]فخشينا أن يرهقهما } [الكهف: 80] وأما ما يجذب مرة إلى هذا الباب ومرة إلى هذا الباب فنحو حسبت وظننت وزعمت وهذا النحو يجعل مرة بمنزلة ارجو وأطمع من حيث كان أمراً غير مستقر ومرة يجعل بمنزلة العلم من حيث يستعمل استعماله ومن حيث كان خلافه والشيء قد يجري مجرى الخلاف نحو عطشان وريّان فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم حكى سيبويه ظننت لتسبقني وظنوا { ما لهم من محيص } كما قالوا ولقد علمت لتأتينَّ منيتي ولقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض وكلهم قرأ فتنة بالرفع لأنهم جعلوا كان بمنزلة وقع ولو نصب فقيل أن لا تكون فتنة على أن لا يكون قولـه فتنة لكان جائزاً في العربية وإنما رفع لاتباع الأثر وإنما حسن وقوع أن الخفيفة من الشديدة في قراءة من رفع وإن كان بعده فعل لدخول لا ولكونها عوضاً عن حذف الضمير معه وإيلائه ما لم يكن يليه ولو قلت علمت أن تقول لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضاً نحو قد ولا والسين وسوف كما في قولـه

السابقالتالي
2 3