الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

القراءة: قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم رسالاته على الجمع والباقون رسالته على التوحيد. الحجة: قال أبو علي: حجة مَن جمع أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل كالتوحيد والشرائع فلما اختلفت الرسائل حسن أن تجمع كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت. ألا ترى أنك تقول: رأيت تموراً كثيرة نظرت في علوم كثيرة فتجمع هذه الأسماء إذا أردت ضروبها كما تجمع غيرها من الأسماء وحجة مَن أفرد هذه الأسماء أنها تدل على الكثرة وإن لم تجمع كما تدل الألفاظ المصوغة للجمع فمما يدل على ذلك قولـه: لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً فوقع الاسم الشائع على الجميع كما يقع على الواحد فكذلك الرسالة. الإعراب: أرْسَل فعل يتعدى إلى مفعولين ويتعدى إلى الثاني منهما بالجار كقولـهإنا أرسلنا نوحاً إلى قومه } [نوح: 1] وأرسلناه إلى مائة ألف } [الصافات: 147] ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر كقولـهثم أرسلنا رسلاً تترا } [المؤمنون: 44] وإنا أرسلناك شاهداً } [الفتح: 8] وقال: فأرسل إلى هارون فعدّى إلى الثاني والأول مقدّر في المعنى وقال:
فَأرْسَلَها الْعِراكَ وَلَمْ يَذُدْهـــا   وَلَم يُشْفِقْ عَلى نَغْصِ الدِّخالِ
المعنى خَلّى بين هذه الإبل وبين شربها ولم يمنعها من ذلك وأنشد أبو زيد:
لَعَمْري لَقَدْ جاءَتْ رِسالَةُ مالِكٍ   إلى جَسَدٍ بَيْنَ الْعَوائِد مُخْتَبَلُ
والرسالة هنا بمعنى الإرسال والمصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل والمفعول الأول في التقدير محذوف كما كان في قولـه:فأرسل إلى هارون } [الشعراء: 13] محذوفاً والتقدير رسالة المالك زيداً إلى جسد والجار والمجرور في موضع نصب بكونه مفعولاً ثانياً والمعنى إلى ذي جسد لأن الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه وهذا مثل قولـه:
وبعد عطائك المائة الرتاعا   
في وضعه العطاء موضع الإعطاء والرسول يكون بمعنى الرسالة ويكون بمعنى المرسَل فأما كونه بمعنى الرسالة فكقول الشاعر:
لَقَدْ كَذِبَ الْواشُونَ ما بُحْتُ عَنْهُم   بِسِــرٍّ وَلا أرْسَلْتُـــهُم بِرَسُولِ
أي برسالة وكونه بمعنى المرسَل قولـهوما محمد إلا رسول } [آل عمران: 144] ومثله في أنه فعول بمعنى مفعول قولـه:
وَما زِلْت خَيْراً مِنْكَ مُذْ عَضَّ كارِهاً   بِلَحْيَـــيْكَ غادِيُّ الطَّرِيقِ رَكُوبُ
يريد أنه طريق مركوب مسلوك والعصمة المنع من عصام القربة وهو وكاؤها الذي تشد به من سير أو خيط قال الشاعر:
وَقُـلْتُ عَلَيْكُم مالِكـــاً إنَّ مالِكـــاً   سَيَعْصِمُكُمْ إنْ كانَ في النَّاسِ عاصِمُ
أي سيمنعكم واعتصم فلان بفلان أي امتنع به. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيَّه بالتبليغ ووعده العصمة والنصرة فقال { يا أيها الرسول } وهذا نداء تشريف وتعظيم { بلغ } أي واصل إليهم { ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } أكْثَرَ المفسرون فيه الأقاويل. فقيل: إن الله تعالى بعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة ضاق بها ذرعاً وكان يهاب قريشاً فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة عن الحسن.

السابقالتالي
2