الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

اللغة: اليد تذكر في اللغة على خمسة أوجه الجارحة والنعمة والقوة والملك وتحقيق إضافة الفعل فالنعمة في قولـهم لفلان عندي يد أشكرها أي نعمة قال عدي بن زيد:
وَلَنْ أَذْكرَ النُّعْمَانَ إلاَّ بِصالِحٍ   فَإنَّ لَهُ عِنْدي يَديّــاً وَأَنْعُمَا
جمع يداً على يديّ كالكليب والعبيد وحسن التكرار لاختلاف اللفظين واليد للقوة في نحو قولـه تعالىأولي الأَيدي والأَبصار } [ص: 45] أي ذوي القُوى والعقول وأنشد الأَصمعي للغنوي:
فَاعْمَدْ لِما تَعْلُو فَمالَكَ بِالَّذي   لا تَسْتَطِيعُ مِنَ الأُمُورِ يَدانِ
يريد ليس لك به قوة وعلى هذا ما ذكره سيبويه من قولـهم لا يدين بها لك. ومعنى هذه التثنية المبالغة في نفي الاقتدار والقوة على الشيء واليد بمعنى الملك في نحو قولـهالذي بيده عقدة النكاح } [البقرة: 237] أي يملك ذلك وهذه الضيعة في يد فلان أي في ملكه واليد بمعنى التولي للشيء وإضافة الفعل في نحو قولـه تعالىلما خلقت بيديّ } [ص: 75] أي لما توليت خلقه تخصيصاً لآدم وتشريفاً له بهذا وإن كان جميع المخلوقات هو خلقها لا غير وتقول: يدي لك رهن بالوفاء إذا ضمنت له شيئاً وكأن معناه اجتهادي وطاقتي وتستعمل أيضاً حيث تراد النصرة وذلك مثل ما جاء في الحديث: " وهم يد على من سواهم " أي نصرتهم واحدة وكلمتهم مجتمعة على من تشق عصاهم. قال أحمد بن يحيى ابن تغلب اليد الجماعة. ومنه الحديث: " وهم يد على من سواهم " وقد يستعار اليد للشيء الذي لا يد له تشبيهاً بمن له اليد قال ابن الأَعرابي يد الدهر الدهر كله يقال: لا آتيه يد الدهر ويدَ المُسْند قال ذو الرمة.
اَلا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيُوماً بِذِكْرِهــا   وَأَيْدي الثُريّا جُنَّحٌ في المَغارِبِ
وأصل هذه الاستعارة لثعلبة بن صُعْيَر في قولـه:
ألْقَتْ ذُكاءُ يَمينَها في كافرٍ   
فجعل للشمس يداً في المغيب لما أراد أن يصفها بالغروب ثم للبيد في قولـه.
حَتَّى إذا أَلْقَــتْ يَداً في كافِــرٍ   وَأَجَنَّ عَوْراتَ الثُّغُورِ ظَلامُهَا
وقد يستعار اليد في مواضع كثيرة يطول ذكرها ولما كان الجواد ينفق باليد والبخيل يمسك باليد عن الإنفاق أضافوا الجود والبخل إلى اليد فقالوا للجواد مبسوط اليد وبسط البيان فياض الكف وللبخيل كزّ الأَصابع مقبوض الكفّ جعل الأَنامل في أشباه لهذا كثيرة معروفة في أشعارهم وأنكر الزجاج على من ذهب إلى أن معنى اليد في الآية النعمة بأن قال: إن هذا ينقضه قولـه بل يداه مبسوطتان فيكون المعنى بل نعمتاه مبسوطتان ونعم الله أكثر من أن تحصى. قال أبو علي الفارسي: قولـه نعمتاه مبسوطتان لا يدل على تقليل النعمة وعلى أن نعمته نعمتان ثنتان ولكنَّه يدل على الكثرة والمبالغة فقد جاء بالتثنية ويراد به الكثرة والمبالغة وتعداد الشيء لا المعنى الذي يشفع الواحد المفرد ألا ترى إلى قولـهم لبيك إنما هو إقامة على طاعتك بعد إقامة وكذلك سعديك إنما هو مساعدة بعد مساعدة وليس المراد بذلك طاعتين اثنتين ولا مساعدتين فكذلك المعنى في الآية أن نعمه متظاهرة متتابعة فهذا وجه وإن شئت حملت المثنى على أنه تثنية جنس لا تثنية واحد مفرد ويكون أحد جنسي النعمة نعمة الدنيا والآخرة نعمة الآخرة أو نعمة الدين فلا يكون التثنية على هذا مراداً بها اثنتين وقد جاء تثنية اسم الجنس في كلامهم مجيئاً واسعاً قال الفرزدق:

السابقالتالي
2 3 4