القراءة: قرأ حمزة وحده وعَبُد الطاغوتِ بضم الباء وجرّ التاء والباقون وعَبَد الطاغوت بفتح الباء ونصب التاء، وروي في الشواذ قراءة الحسن وابن هرمز مَثْوَبة ساكنة الثاء مفتوحة الواو وكذلك في سورة البقرة لَمَثْوَبة، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأَعمش وأبان بن تغلب وعُبُدَ الطاغوت بضم العين والباء وفتح الدال وخفض الطاغوت، وقرأ أبي بن كعب عَبَدوا الطاغوت ورواية عكرمة عن ابن عباس وعَبَّدَ الطاغوت بتشديد الباء وفتح الدال وقراءة أبي واقد وعُبّادَ الطاغوت، وقراءة أبي جعفر الرؤاسي النحوي وعُبِدَ الطاغوتُ كقولك ضُرِبَ زيدٌ لم يسمّ فاعله وقراءة عون العقيلي وابن بريدة وعابدَ الطاغوت ورواية علقمة عن ابن مسعود وعُبَد الطاغوت على وزن صرد فهذه عشر قراءات اثنتان منها في السبعة. الحجة: قال أبو علي حجة حمزة في قراءة وعَبُدَ الطاغوت أن يحمله على ما عمل فيه جعل كأنه وجعلَ منهم عَبُدَ الطاغوت ومعنى جعل خلق كقولـه:{ وجعل الظلمات والنور } [الأنعام: 1] و{ جعل منها زوجها } [الزمر: 6] وليس عَبُدَ لفظ جمع لأَنه ليس من أبنية الجموع شيء على هذا البناء ولكنه واحد يراد به الكثرة ألا ترى أن في الأَسماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإِفراد ومعناه الجمع كما في قولـه:{ وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها } [إبراهيم: 34] ولأَن بناء فَعُلَ يراد به المبالغة والكثرة نحو يَقُظ ونَدُسَ فكان تقديره أنه قد ذهب في عباد الطاغوت كل مذهب وتكرر ذلك منه. وأما من فتح فقال وعَبَدَ الطاغوت فإنه عطفه على بناء الماضي الذي في الصلة وهو قولـه { لعنه الله } وأفرد الضمير في عبد وإن كان المعني فيه الكثرة لأن الكلام محمول على لفظه دون معناه وفاعله ضمير مَنْ كما أن فاعل الأَمثلة المعطوفة عليه ضمير مَنْ فأفرد لحمل ذلك جميعاً على اللفظ ولو حمل الكل على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى لكان مستقيماً وأما الوجه في مَثْوَبة فإنه قد خرج على الأَصل شاذاً. قال أبو الفتح: ومثله ما يحكى عنهم الفكاهة مَقْوَدة إلى الأَذى وقياسهما مثابة ومقادة ومثله مَزْيَد وقياسه مَزاد إلا أن مزيداً علم والأَعلام قد يحتمل فيها ما يكره من الأَجناس نحو مَحْبَب ومكوزة ومريم ومدين ورجاء بن حَيْوَة ومَثُوَبة مَفْعُلة ونظيرها المَبْطُخة والمَشْرُقة وأصل مَثُوبة مَثْوُبة فنقلت الضمة من الواو إلى الثاء ومثلها مَعُونة وقيل هي مَفْعُولة مثل مقولة ومضوفة على معنى المصدر قال الشاعر:
وَُكْنُت إذا جاري دَعـــا لِمَضُوفَـــةٍ
أُشَمّرُ حَتّى يَنْصِفَ السّاقَ مِئْزَري
قال: وأما قولـه عُبُدَ الطاغوت فهو جمع عبد وأنشد:
انْسَبِ الْعَبْــدَ إلى آبائِهِ
أَسْوَدُ الْجِلْدِ وَمِنْ قَوْمٍ عَبُدِ
هكذا قال أبو الحسن وقال أحمد بن يحيى: عُبُد جمع عابد كبازل وبُزُل وشارف وشرُف وكذلك عُبَّد جمع عابد ومثله عِباد وعُباد ويجوز أن يكون عباد جمع عبد وأما عُبِدَ الطاغوت وعَبَدوا الطاغوت فظاهر وأما عابد الطاغوت فهو واحد في معنى جماعة وكذلك وعبَد الطاغوت لأَنه كحطم ولُبد كما أن عَبُد كَحَذُر وفَطُن وَوَظُف وعَجُز.