الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }

اللغة: يقال نَقَم الأَمر يَنقِم نقماً ونَقِمَ يَنْقَم إذا أنكره والأَول أكثر قال عبد الله بن قيس الرقيات:
ما نَقَموا مَنْ بَنيِ أميَّةَ إلاَّ   أَنَّهُم يَحْلِمُونَ إنْ غَضِبُوا
وسمي العقاب: نقمة لأَنه يجب على ما ينكر من الفعل. الإعراب: قولـه { إن أكثركم فاسقون } في موضع نصب وكذلك قولـه: { إن آمنا بالله } والتقدير هل تنقمون منا إلا إيماننا وفسقكم. النزول: قيل: إن نفراً من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال أؤمن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلى قولـه: { ونحن له مسلمون } فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته. وقالوا: والله ما نعلم أهل دين قطّ أخطأ في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم فأنزل الله الآية وما بعدها. المعنى: ثم أمَرَ الله سبحانه رسوله بحجاجهم فقال { قل } يا محمد { يا أهل الكتاب هل تنقمون منا } أي هل تنكرون منا وقيل هل تسخطون منا. وقيل: هل تكرهون منا والمعاني متقاربة { إلا أن آمنا بالله } فوجدناه ووصفناه بما يليق به من الصفات العلى ونزهناه عما لا يجوز عليه في ذاته وصفاته { وما أنزل إلينا } من القرآن { وما أنزل من قبل } على الأَنبياء { وإن أكثركم فاسقون } قال الزجاج: معناه هل تكرهون إلا إيماننا وفسقكم أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على الحق لأَنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرئاسة وكسبكم بها الأَموال وهذا معنى قول الحسن لفسقكم نقمتم علينا. قال بعض أهل التحقيق: فعلى هذا يجب أن يكون موضع إنّ في قولـه: { وإن أكثركم فاسقون } نصباً بإضمار اللام على تأويل ولأَن أكثركم فاسقون. وقيل لما ذكر تعالى ما نقمه اليهود عليهم من الإِيمان بجميع الرسل وليس هو مما ينقم. ذكر في مقابلته فسقهم وهو مما ينقم ومثل هذا يحسن في الازدواج يقول القائل هل تنقم مني إلاّ أني عفيف وأنك فاجر وإلاّ أني غني وأنك فقير فيحسن ذلك لإِتمام المعنى بالمقابلة ومعنى { فاسقون } خارجون عن أمر الله طلباً للرئاسة وحسداً على منزلة النبوة والمراد بالأَكثر من لم يؤمن منهم لأَن قليلاً من أهل الكتاب آمن. وقيل: في قولـه: { وإن أكثركم فاسقون } قول آخر ذكره أبو علي الجرجاني صاحب النظم قال يجعله منظوماً بقولـه: { آمنا بالله } على تأويل آمنا بالله وبأن أكثركم فاسقون فيكون موضع إنّ جرّ بالباء وهذا وجه حسن.