الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

المعنى: ثُمَّ بَيَّن سبحانه في هذه الآية ما يحل من الأطعمة والأنكحة إتماماً لما تقدم فقال { اليوم أحل لكم الطيبات } وقد مرَّ معناه وهذا يقتضي تحليل كل مستطاب من الأطعمة. فقيل: المراد به ذبائح أهل الكتاب عن أكثر المفسرين وأكثر الفقهاء، وبه قال جماعة من أصحابنا ثم اختلفوا فمنهم من قال: أراد به ذبيحةٍ كل كتابيّ ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل ومن دخل في ملتهم ودان بدينهم عن ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن المسيب والشعبي وعطاء وقتادة وأجازوا ذبائح نصارى بني تغلب. ومنهم من قال: عنى به من أنزلت التوراة والإنجيل عليهم أو كان من أبنائهم فأما من كان دخيلاً فيهم من سائر الأمم ودان بدينهم فلا تحلّ ذبائحهم حكى ذلك الربيع عن الشافعي وحرم ذبائح بني تغلب من النصارى ورووا ذلك عن علي ع وسعيد بن جبير. وقيل: المراد بطعام الذين أُوتوا الكتاب ذبائحهم وغيرها من الأطعمة عن أبي الدرداء وعن ابن عباس وإبراهيم وقتادة والسدي والضحاك ومجاهد وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وغيرهم. وقيل: إنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عن أبي عبد الله ع وبه قال جماعة من الزيدية فأما ذبائحهم فلا تحل. { وطعامكم حل لهم } معناه وطعامكم يحل لكم إن تطعموهم { والمحصنات من المؤمنات } معناه وأحل لكم العقد على المحصنات أي العفايف من المؤمنات عن الحسن والشعبي وإبراهيم وقيل أراد الحرائر عن مجاهد واختاره أبو علي فعلى هذا القول لا تدخل الإماء في الإباحة مع القدرة على طول الحرة. { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } وهم اليهود والنصارى واختلف في معناه فقيل: هنّ العفائف حرائركُنّ أو إماء حربيات كُنّ أو ذميات عن مجاهد والحسن والشعبي وغيرهم. وقيل: هن الحرائر ذميات كن أو حربيات. وقال أصحابنا: لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابية لقولـه تعالى:ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } [البقرة: 221] ولقولـه:لا تمسكوا بعصم الكوافر } [الممتحنة: 10] وأوَّلوا هذه الآية بأن المراد بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن والمراد بالمحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام وذلك أن قوماً كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبيَّن سبحانه أنه لا حرج في ذلك فلهذا أفردهنّ بالذكر حكى ذلك أبو القاسم البلخي قالوا ويجوز أن يكون مخصوصاً أيضاً بنكاح المتعة وملك اليمين فإن عندنا يجوز وطؤهن بكلا الوجهين على أنه قد روى أبو الجارود عن أبي جعفر ع أنه منسوخ بقولـه: { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وبقولـه: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }. وقولـه: { إذا آتيتموهن أجورهن } أي مهورهن وهو عوض الاستمتاع بهن عن ابن عباس وغيره { محصنين غير مسافحين } يعني إعفاء غير زانين بكل فاجرة وهو منصوب على الحال { ولا متخذي أخدان } أي ولا متفردين ببغية واحدة خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجر بها وقد مرّ معنى الإحصان والسفاح والأخدان في سورة النساء { ومن يكفر بالإيمان } أي ومن يجحد ما أمر الله بالإقرار به والتصديق له من توحيد الله وعدله ونبوة نبيّه صلى الله عليه وسلم { فقد حبط عمله } الذي عمله واعتقده قربة إلى الله تعالى وإنما تحبط الأعمال بأن لا يستحق عليها ثواب { وهو في الآخرة من الخاسرين } أي الهالكين.

السابقالتالي
2