الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

اللغة: أصل مهيمن مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قيل في أرقت الماء هرقت وقد صرف فقيل هيمن الرجل إذا ارتقب وحفظ وشهد يُهيمن هيمنة فهو مهيمن وعلى هذا فيكون وزنه مفيعل مثل مسيطر ومبيطر. وقال الأزهري: كان في الأصل أيمن يؤيمن كما أن الأصل في يُفعِل يؤفعل فعلى هذا يكون على وزن مؤفعل فقلبت الهمزة هاء وروي في الشواذ مُهيمنا بفتح الميم عن مجاهد، والشرعة والشريعة واحدة وهي الطريقة الظاهرة والشريعة هي الطريقة التي توصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة. فقيل: الشريعة في الدين للطريق الذي توصل منه إلى الحياة في النعيم وهي الأمور التي يعبد الله بها من جهة السمع قال الشاعر:
أتَنْسُونَني يَوْمَ الشّريعَةِ والقَنا   بِصِفّـــين مِن لبّاتِكُمْ تَتَكسَّرُ
يريد شريعة الفرات والأصل فيه الظهور ويقال أشرعتُ القنا إذا أظهرت وشرعت في الأمر شروعاً إذا دخلت فيه دخولاً ظاهراً والناس فيه شرع أي متساوون والمنهاج الطريق المستمر يقال طريق نهْج ومَنْهَج أي بيّن قال الراجز:
مَنْ يَكُ ذا شَكٍ فَهذا فَلْجُ   مَاءٌ رَواءٌ وطَرِيقٌ نهْجُ
وقال المبرد: الشرعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستقيم قال وهذه الألفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة فيه ومنه قول الحطيئة:
وهِندٌ أتَى مِنْ دونِهَا النأيُ والبْعْدُ   
وقال والنأي لما قلّ بُعدُه وقد جاء بمعنى واحد قال عنترة:
حُيّيت مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْدُهُ   أقْوى واقْفَرَ بعدَ أُمِّ الهَيْثَمِ
وأقوى وأقفر بمعنى واحد. يقال: نهجت لك الطريق وأنهجته فهو منهوج ونهج الطريق وأنهج إذا وضح والاستباق يكون بين اثنين فصاعداً يجتهد كل منهم أن يستبق غيره. قال تعالى: واستبقا الباب يعني يوسف وصاحبته تبادرا إلى الباب. الإعراب: مصدقاً حال من الكتاب ومهيمناً كذلك. وقيل: إنه حال من الكاف الذي هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والأول أقوى لأجل حرف العطف لأنه قال: وأنزلنا إليك الكتاب مصدقاً ومهيمناً ولا يجوز أن يعطف حال على حال لغير الأول لا تقول ضربت هندٌ زيداً قاعداً وقائمة ولو قلت قائمة بغير واو لجاز ويجوز أن يكون عطفاً على مصدقاً ويكون مصدقاً حالاً للنبي والأول أظهر. المعنى: لمَّا بيَّنَ تعالى نبوّة موسى وعيسى عقَّب ذلك ببيان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم احتجاجاً على اليهود والنصارى بأن طريقته كطريقتهم في الوحي والمعجز فقال { وأنزلنا إليك } يا محمد { الكتاب } يعني القرآن { بالحق } أي بالعدل { مصدقاً لما بين يديه من الكتاب } يعني التوراة والإنجيل وما فيهما من توحيد الله وعدله والدلالة على نبوته والحكم بالرجم والقَود على ما تقدم ذكره. وقيل: المراد بالكتاب الكتب المنزلة على الأنبياء. ومعنى الكتاب المكتوب كقولـهم هذه الدراهم ضرب الأمير أي مضروبه عن أبي مسلم { ومهيمناً عليه } معناه وأميناً عليه شاهداً بأنه الحق عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد.

السابقالتالي
2 3