الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

القراءة: قرأ حمزة وحده { وليحْكُم } بكسر اللام ونصب الميم والباقون { وليحكم } بالجزم وسكون اللام على الأمر. الحجة: حجة حمزة أنه جعل اللام متعلقاً بقولـه: { وآتيناه الإنجيل } فإن معناه وأنزلنا عليه الإنجيل فصار بمنزلة أنزلنا عليك الكتاب ليحكم وحجة من قرأ بالجزم أنه بمنزلة قولـه وإن أحكم بينهم بما أنزل الله فكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكذلك أمروا به بالإنجيل. اللغة: القفو اتباع الأثر. يقال: قفاه يقفوه والتقفية الاتباع. يقال: قفيته بكذا أي اتبعته وإنما سميت قافية الشعر قافية لأنها تتبع الوزن والآثار جمع الأثر وهو العلم الذي يظهر للحس وآثار القوم ما أبقوا من أعمالهم والمأثرة المكرمة التي يأثرها الخلف عن السلف لأنها علم يظهر فضله للنفس والأثير الكريم على القوم لأنهم يؤثرونه بالبرّ ومنه الايثار للاختيار فإنه إظهار فضل أحد العمَلين على الآخر وقد مرّ تفسير الإنجيل في أول آل عمران والوعظ والموعظة هي الزجر عما يكرهه الله إلى ما يحبّه والتنبيه عليه. الإعراب: قولـه { بعيسى ابن مريم } مصدقاً نصب مصدقاً على الحال وهدى رفع بالابتداء وفيه خبره قدّم عليه ونور عطف على هدى { ومصدقاً لما بين يديه من التوراة } نصب على الحال وليس بتكرير لأن الأول حال لعيسى وبيان أنه يدعو إلى التصديق بالتوراة والثاني حال من الإنجيل وبيان أن فيه ذكر التصديق بالتوراة وهما مختلفان وهو عطف على موضع قولـه: { فيه هدى } لأنه نصب على الحال وتقديره آتيناه الإنجيل مستقراً { فيه هدى ونور } مصدقاً وهدى في موضع نصب بالعطف على مصدقاً وموعظة عطف على هدى والتقدير وهادياً وواعظاً. المعنى: لمّا قدَّم تعالى ذكر اليهود أتبعه بذكر النصارى فقال { وقفينا على آثارهم } أي وأتبعنا على آثارهم النبيين الذين أسلموا عن أكثر المفسرين واختاره علي بن عيسى والبلخي. وقيل: معناه على آثار الذين فرضنا عليهم الحكم الذي مضى ذكره عن الجبائي والأول أجود في العربية وأوضح في المعنى { بعيسى ابن مريم } أي بعثناه رسولاً من بعدهم { مصدقاً لما بين يديه } أي لما مضى { من التوراة } التي أنزلت على موسى صدق بها وآمن بها. وإنما قال: لما مضى قبله لما بين يديه لأنه إذا كان يأتي بعده خلفه فالذي مضى قبله يكون قدّامه وبين يديه. { وآتيناه } أي وأعطينا عيسى الكتاب المسمى الإنجيل والمعنى وأنزلنا عليه { الإنجيل فيه } يعني في الإنجيل { هدى } أي بيان وحجة ودلائل له على الأحكام { ونور } سمّاه نوراً لأنه يهتدى به كما يهتدى بالنور { ومصدقاً لما بين يديه من التوراة } يعني الإنجيل يصدق بالتوراة لأن فيه أن التوراة حق. وقيل: معناه أنه تضمن وجوب العمل بالتوراة وأنه لم تنسخ.

السابقالتالي
2