الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

القراءة: قرأ أهل البصرة وأبو جعفر وإسماعيل عن نافع { واخشوني } بياء في الوصل ويعقوب يقف بالياء أيضاً والباقون واخشونِ بغير ياء في الوقف والوصل. الحجة: قال أبو علي: الإثبات حسن لأن الفواصل في أنها أواخر الآي مثل القوافي في أنها أواخر الأبيات فممَّا حذف منه الياء في القوافي قول الأعشى:
فَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتيادِي الْبِلا   دَ مِنْ حَذَرِ المَوْتِ أنْ يَأتِيَـنْ
وَمِن شانىءٍ كاسِفٍ وَجْهُــهُ   إذا مَا انْتَسَبْــتُ لَـــهُ أنْكَرَنْ
اللغة: الربانيون فسرناه فيما مضى وهم العلماء البصراء بسياسة الأمور وتدبير الناس، والأحبار جمع حبر وهو العالم مشتق من التحبير وهو التحسين فالعالم يُحَسّن الحسن ويُقَبّح القبيح. قال الفراء: أكثر ما سمعت فيه حِبر بالكسر. الإعراب: الباء في قولـه: { بما استحفظوا } يتعلق بالأحبار فكأنه قال العلماء { بما استحفظوا } وقال الزجاج تقديره يحكمون للتائبين من الكفر { بما استحفظوا }. المعنى: لمَّا بيَّن الله تعالى أن اليهود تولّوا عن أحكام التوراة وصف التوراة وما أنزل فيها فقال { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى } أي بيان للحق ودلالة على الأحكام { ونور } أي ضياء لكل ما تشابه عليهم وجلاء لما أظلم عليهم عن ابن عباس. وقيل: معناه فيها هدى بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ونور بيان أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حقَّ عن الزجاج. { يحكم بها النبيّون الذين أسلموا } معناه يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا بحكم الله وأقرّوا به ونبينا داخل فيهم عن الحسن وقتادة وعكرمة والسدي والزهري. وقال أكثرهم: هو المعنيّ بذلك لمّا حكم في رجم المحصن وهذا لا يدل على أنه كان متعبداً بشرع موسى لأن الله هو الذي أوجب ذلك بوحي أنزله عليه لا بالرجوع إلى التوراة فصار ذلك شرعاً له وإن وافق ما في التوراة ونَبَّه بذلك اليهود على صحة نبوته من حيث أخبر عما في التوراة من غامض العلم الذي قد التبس على كثير منهم وقد عرفوا جميعاً أنه لم يقرأ كتابهم ولم يرجع في ذلك إلى علمائهم فكان من دلائل صدقه صلى الله عليه وسلم وقيل: يريد بالنبيين الأنبياء الذين كانوا بعد موسى وذلك أنه كان في بني إسرائيل ألوف من الأنبياء بعثهم الله لإقامة التوراة يَحدُّون حدودها ويحلّون حلالها ويحرّمون حرامها عن ابن عباس فمعناه يقضي بها النبيون الذين أسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى وصفهم بالإسلام لأن الإسلام دين الله فكل نبي مسلم وليس كل مسلم نبيّاً. وقولـه: { للذين هادوا } أي تابوا عن الكفر عن ابن عباس. وقيل: لليهود واللام فيه يتعلق بيحكم أي يحكمون بالتوراة لهم وفيما بينهم. قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير وتقديره إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا { والربانيون } الذين علت درجاتهم في العلم.

السابقالتالي
2