الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }

القراءة: السُحُت بضم السين والحاء مكي بصري والكسائي وأبو جعفر وقرأ الباقون السُحْت بإسكان الحاء. الحجة: قال أبو علي: السُحْت والسُحُت لغتان ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو وهما اسم الشيء المسحوت كما أوقع الضرب على المضروب في قولـهم هذا الدرهم ضرب الأمير والصيد على المصيد في قولـه:ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [المائدة: 95]. اللغة: أصل السحت الاستئصال يقال: سَحته وأسحته أي استأصله ومن أسْحَتَ قول الفرزدق:
وَعَضُّ زمان يا ابْنَ مَرْوانَ لَمْ يَدَعْ   مِنَ الْمـــالِ إلاّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ
ويقال للحالق أسحت أي استأصل وفلان مسحوت المعدة إذا كان أكولاً لا يشبع وأسحت ماله أفسده وأذهبه والحكم هو فصل الأمر على وجه الحكمة فيما يفصل به وقد يفصل به بيان أنه الحق وقد يفصل بإلزام الحق والأخذ به كما يفصل الحاكم بين الخصوم بما يقطع الخصومة ويثبت القضية، والتولي الانصراف عن الشيء والتولي عن الحق الترك له وهو خلاف التولي إليه لأنه الإقبال عليه والتولي له هو صرف النصرة والمعونة إليه. المعنى: ثم وصفهم تعالى فقال { سماعون للكذب } قد مرَّ تفسيره أعاد الله تعالى ذمَّهم على استماع الكذب أو قبوله تأكيداً وتشديداً ومبالغة في الزجر عنه { أكَّالون للسحت } أي يكثرون الأكل للسحت وهو الحرام وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن السحت هو الرشوة في الحكم " وهو المروي عن ابن مسعود والحسن. وقيل: السحت هو الرشوة في الحكم ومهر البغيّ وكسب الحجام وعسيب الفحل وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة وحُلوان الكاهن والاستجعال في المعصية عن علي ع وروي عن أبي عبد الله ع أن السحت أنواع كثيرة فأما الرشى في الحكم فهو الكفر بالله. وقيل في اشتقاق السحت أقوال أحدها: أن الحرام إنما سمي سحتاً لأنه يعقب عذاب الاستئصال والبوار عن الزجاج وثانيها: أنه إنما سمي سحتاً لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال عن الجبائي وثالثها: أنه إنما سمي سحتاً لأنه القبيح الذي فيه العار نحو ثمن الكلب والخمر فعلى هذا يسحت مروءة الإنسان عن الخليل. { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } أراد به اليهود الذين تحاكموا إلى النبي في حدّ الزنى عن ابن عباس والحسن ومجاهد. وقيل: أراد بني قريظة وبني النضير لما تحكموا إليه فخيّره الله تعالى بين أن يحكم بينهم وبين أن يعرض عنهم عن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة وابن زيد والظاهر في روايات أصحابنا أن هذا التخيير ثابت في الشرع للأئمة والحكام وهو قول قتادة وعطاء والشعبي وإبراهيم. وقيل: إنه منسوخ بقولـه:وأن احكم بينهم بما أنزل الله } [المائدة: 49] عن الحسن ومجاهد وعكرمة { وإن تعرض عنهم } أي عن الحكم بينهم { فلن يضروك شيئاً } أي لا يقدرون لك على ضرر في دين أو دنيا فدع النظر بينهم إن شئت.

السابقالتالي
2