الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

اللغة: { سمَّاعون للكذب } أي قابلون له يقال: لا تستمع من فلان قولـه أي لا تقبل ومنه سمع الله لمن حمده أي تقبل الله منه حمده وفيه وجه آخر وهو أن معناه أنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك والسمَّاع الجاسوس والفتنة الاختبار وأصله التخليص من قولـهم فتنت الذهب في النار أي خلصته من الغش. الإعراب: ارتفع سماعون لأنه خبر مبتدأ محذوف أي هم سماعون ويجوز أن يرتفع على معنى ومن الذين هادوا سماعون فيكون مبتدءاً على قول سيبويه ومعمولاً لمنهم على قول الأخفش ويكون تقديره ومنهم فريق سماعون للكذب وقولـه: { لم يأتوك } في موضع جرّ لأنه صفة لقوم وقولـه: { يحرفون الكلم } صفة لقولـه: { سمَّاعون } فيكون موضعه رفعاً ويجوز أن يكون موضعه نصباً على أنه حال من الضمير في اسم الفاعل أي محرّفين الكلم بمعنى مقدّرين تحريفه أي يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم ويقدرون في أنفسهم تحريف ما يسمعون كقولـهم معه صقر صائداً به غداً وقولـه من بعد مواضعه من باب حذف المضاف والتقدير من بعد وضعه كلامه مواضعه ولو قال في معناه عن مواضعه لجاز لأن معناهما متقارب كما يقال أتيتك بعد فراغي من الشغل وعن فراغي منه ولا يجوز أن يقول رميت بعد القوس بدلاً من قولك رميت عن القوس لأن المعنى يختلف وذلك أن عَنْ لِما عدا الشيء الذي هو كالسبب له وبعد إنما هو لِما تَأخَّرَ عن كون الشيء فما صحّ فيه معنى السبب ومعنى التأخر جاز فيه الأمر إن وما لم يصحّ فيه إلا أحد الأمرين لم يجز إلا أحد الحرفين. النزول: قال الباقر ع وجماعة من المفسرين: إن امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان فكرهوا رجمهما فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النبي عن ذلك طمعاً في أن يأتي لهم برخصة فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وشعبة بن عمرو مالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ما حدّهما؟ فقال: " " وهل ترضون بقضائي في ذلك " قالوا: نعم. فنزل جبرائيل بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال جبرائيل اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له فقال النبي: " هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدكاً يقال له ابن صوريا ". قالوا: نعم. قال: " فأيّ رجل هو فيكم " قالوا: أعلم يهوديّ بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى. قال: " فأرسلوا إليه " ففعلوا. فأتاهم عبد الله بن صوريا فقال له النبي: " إني أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون وظلَّل عليكم الغمام وأنزل عليكم المنَّ والسلوى هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن " قال ابن صوريا: نعم والذي ذكرتني به لولا خشية أن يحرقني رب التوراة إن كذبت أو غيَّرت ما اعترفت لك ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمد. قال: " إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم " قال ابن صوريا: هكذا أنزل الله في التوراة على موسى فقال له النبي: " فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ". قال: كنا إذا زنى الشريف تركناه وإذا زنى الضعيف أقمنا عليه الحدّ فكثر الزنى في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فقال له قومه لا حتى ترجم فلاناً يعنون ابن عمه فقلنا تعالوا نجتمع فلنضع شيئاً دون الرجم يكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم وهو أن يجلد أربعين جلدة ثم يسوّد وجوههما ثم يحملان على حمارين ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم فقالت اليهود لابن صوريا ما أسرع ما أخبرته به وما كنت لما أتينا عليك بأهل ولكنّك كنت غائباً فكرهنا أن نغتابك فقال: إنه أنشدني بالتوراة ولولا ذلك لما أخبرته به فأمر بهما النبي فرجما عند باب مسجده وقال: أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأنزل الله فيه { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير } [المائدة: 15] فقام ابن صوريا فوضع يديه على ركبتي رسول الله ثم قال: هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه فأعرض النبي عن ذلك ثم سأله ابن صوريا عن نومه فقال: " تنام عيناي ولا ينام قلبي " فقال: صدقت وأخبرني عن شبه الولد بأبيه ليس فيه من شبه أمه شيء أو بأمه ليس فيه من شبه أبيه شيء فقال: " أيهما علا وسبق ماء صاحبه كان الشبه له ". قال قد صدقت فأخبرني ما للرجل من الولد وما للمرأة منه قال فأغمي على رسول الله طويلاً ثم خلي عنه محمرّاً وجهه يفيض عرقاً فقال: " اللحم والدم والظفر والشحم للمرأة والعظم والعصب والعروق للرجل " قال له: صدقت أمرك أمر نبي، فأسلم ابن صوريا عند ذلك وقال يا محمد من يأتيك من الملائكة قال: " جبرائيل " قال: صفه لي فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم "

السابقالتالي
2 3