الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

اللغة: أصل التيه التحيّر الذي لا يهتدى لأجله الخروج عن الطريق إلى الغرض المقصود يقال: تاه يتيه تيهاً وتيوهاً إذا تحيّر وتَيّهتُه وتَوّهتُه والياء أكثر والتيهاء من الأرض وهي التي لا يهتدي فيها وأرض تيهاء والأسى الحزن يقال أسي يأسى أسا إذا حزن قال امرؤ القيس:
وُقُوفاً بِها صَحْبِي عَليَّ مَطِيّهِم   يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أسًى وتَجَمَّل
الإعراب: أخي يجوز أن يكون في موضع رفع ويجوز أن يكون في موضع نصب ورفعه من وجهين أحدهما: أن يكون عطفاً على موضع إنّي ومثلهإن الله بريء من المشركين ورسوله } [التوبة: 3] والآخر: أن يكون معطوفاً على ما في أملك أي لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا ونصبه أيضاً من وجهين أحدهما: أن يكون عطفاً على الياء في إنّي أي إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا والآخر: أن يكون عطفاً على نفسي أي لا أملك إلا نفسي ولا أملك إلا أخي وأربعين نصب على الظرف والعامل فيه قولـه: { يتيهون } وقيل هو منصوب بقولـه: { محرمة } قال الزجاج هذا خطأ لأنه جاء في التفسير أنها محرمة عليهم أبداً. المعنى: ثم ذكر سبحانه دعاء موسى على قومه عند مخالفتهم إياه فقال تعالى: { قال } أي قال موسى ع إذ غضب على قومه { رب إني لا أملك إلا نفسي } أي لا أملك إلا تصريف نفسي في طاعتك لأنها التي تجيبني إذا دعوت { وأخي } أي وأخي كذلك لا يملك إلا نفسه أو يكون معناه ولا أملك أيضاً إلا أخي لأنه يجيبني إذا دعوت { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } أي فافصل بيننا وبينهم بحكمك وسمّاهم فُسّاقاً وإن كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم لخروجهم من الإيمان إلى الكفر والفسق والخروج من الطاعة إلى المعصية والكفر من أعظم المعاصي قال الله تعالى:إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [الكهف: 50] وقيل: في سؤال موسى الفرق بينه وبينهم قولان أحدهما: أنه سأل تعالى أن يحكم ويقضي بما يدلّ على بُعدهم عن الحق والصواب فيما ارتكبوا من العصيان ولذلك ألقوا في التيه عن ابن عباس والضحاك والأخر: أنه سأله أن يفرق بينه وبينهم في الآخرة بأن يكون هؤلاء في النار ويكون هو في الجنة ولو دعا عليهم بالهلاك لأهلكوا عن الجبائي { قال } أي قال الله سبحانه لموسى ع { فإنها محرمة عليهم } أي أن الأرض المقدسة حرمت عليهم وفي كيفية التحريم قولان: أحدهما: أنه تحريم منع كقول امرئ القيس:
جالَتْ لتَصْرَعَني فَقُلْتُ لَها أقْصِري   إنِّــــي امْرؤُ صَرْعي عَلَيْكِ حَرامُ
يعني دابته التي هو راكبها ويريد بذلك إني فارس لا تملكين أن تصرعيني. وقيل: يجوز أن يكون تحريم تعبد عن أبي علي الجبائي والأول أظهر.

السابقالتالي
2