الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

القراءة: قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وإسماعيل عن نافع شَنْآن بسكون النون الأولى في موضعين والباقون شَنَآن بفتحها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { أن صدوكم } بكسر الهمزة والباقون بفتحها. الحجة: من قرأ شَنَآن بالفتح فحجته أنه مصدر والمصدر يكثر على فَعَلان نحو الضَرَبان والغليان ومن قرأ شَنْآن فحجته أن المصدر يجيء على فعلان أيضاً نحو الليّان كقول الشاعر:
وَمَا الْعَيْشُ إلاّ ما تَلَذُّ وَتَشْتَهي   وَإنْ لامَ فِيهِ ذُو الشَنانِ وَفَنَّدا
يدل على أن الشنْآن بالسكون أيضاً فخفف الهمزة وألقى حركتها على الساكن قبلها على القياس فيكون المعنى في القراءتين واحداً وقولـه: { أن صدوكم } وإن كان ماضياً فإن الماضي قد يقع في الجزاء وليس المراد على أن الجزاء يكون بالماضي ولكن المراد أن ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على الماضي والمعنى على مثله كأنه يقول أن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق:
أَتَغْضَبُ أَأُذْنا قُتَيْبَـــةَ حَزَّتـــا   جِهاراً وَلَمْ تَغْضَبْ لِقَتْلِ ابْنِ حازِمِ
وعلى ذلك قول الشاعر:
إذا مَا انْتَسَبْنا لَمْ تَلِدْني لَئِيمَــةٌ   وَلَمْ تَجِدي مِنْ أَنْ تُقَرِّي بِهِ بُدّا
فانتفاء الولادة أمر ماضٍ وقد جعله جزاء والجزاء إنما يكون بالمستقبل فيكون المعنى أن تنتسب لا تجدني مولود لئيمة وجواب أن قد أغنى عنه ما تقدم من قولـه ولا يجرمنكم، المعنى: { أن صدوكم عن المسجد الحرام } فلا تكتسبوا عدواناً ومن فتح أن صدوكم فقولـه بّينٌ لأنه مفعول له والتقدير ولا يجرمنكم شنآن قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فأن الثانية في موضع نصب بأنه المفعول الثاني وأن الأولى منصوبة لأنه مفعول له. اللغة: الشعائر جمع شعيرة وهي إعلام الحج وأعماله واشتقاقها من قولـهم شعر فلان بهذا الأمر إذا علم به والمشاعر المعالم من ذلك الأشعار الأعلام من جهة الحس. وقيل: الشعيرة والعلامة والآية واحدة والحلال والحل المباح وهو ما لا مزية لفعله على تركه والحرام والحرم ضده وحريم البئر ما حولها لأنها تحرم على غير حافرها والحُرُم الإحرام وأحرم الرجل صار محرماً وأحرم دخل في الشهر الحرام ورجل حرمي منسوب إلى الحرم والهَدْي ما يُهْدَى إلى الحَرَم من النعم وقلائد جمع قلادة وهي ما يقلّد به الهدي والتقليد في البُدْن أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هَدْي والقَلْد السِوار لأنها كالقلادة لليد، والأمّ القصد يقال أَمَمْتُ كذا إذا قصدته ويَمَّمتُ بمعناه قال الشاعر:
إنّي كَذاكَ مَا ساءَني بَلَـــدٌ   يَمَّمْتُ صَدْرَ بَعِيري غَيْرَهُ بَلَدا
ومنه الإمام الذي يقتدى به والأمة الدين لأنه يقصدوا الأمة بالكسر النعمة لأنها تقصد ويقال حَلَلتُ من الإحرام تَحِلّ والرجل حلال وقالوا أحْرم الرجل فهو حرام وقيس وتميم يقولون أَحَلَّ مِن إحرامه فهو مُحِلّ وأحرم فهو محرم والجَرْم: القطع والكسب { ولا يجرمنكم } أي لا يكسبنكم وهو فعل يتعدى إلى مفعولين.

السابقالتالي
2 3 4 5