الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

اللغة: الأحباء جمع الحبيب والحبّ المحبة وقد يكون بمعنى الإرادة وقد يكون بمعنى الشهوة وقد يستعمل في كل واحد منهما يقال: أحبُّ استقامة أمورك وأحبّ جاريتي. الإعراب: اللام في قولـه: { لقد كفر } جواب القسم وتقديره أقسم لقد كفر الذين قالوا وإنما قال وما بينهما ولم يقل وما بينهن مع أنه ذكر السماوات على الجمع لأنه أراد به النوعين أو الصنفين كما قال الشاعر:
طَرَقا فَتِلْك هَماهِمِي أقْرِيهِما   قُلُصاً لواقِحَ كالقِسّيِ وحُولا
فقال طرقا ثم قال فتلك هماهمي. المعنى: ثم حكى سبحانه عن النصارى ما قالوا في المسيح { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } كَفَّرهم الله سبحانه بهذا القول لأنهم قالوه على وجه التدين به والاعتقاد لا على وجه الإنكار وإنما كفروا بذلك لوجهين. أحدهما: أنهم كفروا بالنعمة من حيث أضافوها إلى غير الله ممن ادعوا إلهيته. والآخر: أنهم كفروا بأنهم وصفوا المسيح وهو محدث بصفات الله سبحانه فقالوا هو إله وكل جاهل بالله كافر لأنه لما ضيَّع نعمة الله تعالى كان بمنزلة من أضافها إلى غيره. { قل } يا محمد { فمن يملك من الله شيئاً } أي من يقدر أن يدفع من أمر الله شيئاً من قولـهم ملكت على فلان أمره إذا اقتدرت عليه حتى لا يمكنه انفاذ شيء من أمره إلا بك وتقديره من يملك من أمر الله شيئاً { إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعاً } عنى بذلك أنه لو كان المسيح إلهاً لقدر على دفع أمر الله تعالى إذا أراد إهلاكه وإهلاك غيره وليس بقادر عليه لاستحالة القدرة على مغالبة القديم أي فكيف يجوز اعتقاد الربوبية فيه مع أنه مسخر مربوب مقهور. وقيل: معناه أن من قدر على هذا لم يجز أن يكون معه إله ولا أن يشبهه شيء { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما } ومن كان بهذه الصفة فلا ثاني له وذلك يدلّك على أن المسيح ملك له وإذا كان ملكاً لم يكن إلهاً ولا ابناً له لأن المملوك لا يجوز أن يكون مالكاً فكيف يكون إلهاً. وقولـه: { يخلق ما يشاء } أي يخلق ما يشاء أن يخلقه فإن شاء خلق من ذكر وأنثى وإن شاء خلق من أُنثى غير ذلك فدلّ بها على أنه ليس في كون المسيح من أنثى بغير ذكر دلالة على كونه إلهاً وقولـه: { والله على كل شيء قدير } أي يقدر على كل شيء يريد أن يخلقه وفي هذه الآية رد على النصارى القائلين بأن الله جل جلاله اتحد بالمسيح فصار الناسوت لاهوتاً يجب أن يعبد ويتخذ إلهاً فاحتج عليهم بأن من جاز عليه الهلاك لا يجوز أن يكون إلهاً وكذلك من كان مولود مربوباً لا يكون ربّاً ثم حكى عن الفريقين من أهل الكتاب فقال { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحبّاؤه } قيل إن اليهود قالوا نحن في القرب من الله بمنزلة الابن من أبيه والنصارى لما قالوا للمسيح ابن الله جعلوا نفوسهم أبناء الله وأحبّاؤه لأنهم تأوّلوا ما في الإنجيل من قول المسيح: أذهب إلى أبي وأبيكم عن الحسن.

السابقالتالي
2